( الجمعة ٥ ) وقيل أيضاً في حقهم وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ إِلاَّ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ ( آل عمران ١٩ ) فبين أن وقوعهم في الظلمات والضلالات كان بسبب فرحهم بما أوتوا من العلم والزهد
الحجة السادسة أن الكرامة غير المكرم وكل ما هو غير المكرم فهو ذليل وكل من تعزز بالذليل فهو ذليل ولهذا المعنى قال الخليل صلوات الله عليه أما إليك فلا فالاستغناء بالفقير فقر والتقوي بالعاجز عجز والاستكمال بالناقص نقصان والفرح بالمحدث بله والإقبال بالكلية على الحق خلاص فثبت أن الفقير إذا ابتهج بالكرامة سقط عن درجته أما إذا كان لا يشاهد في الكرامات إلا المكرم ولا في الإعزاز إلا المعز ولا في الخلق إلا الخالق فهناك يحق الوصول
الحجة السابعة أن الافتخار بالنفس وبصفاتها من صفات إبليس وفرعون قال إبليس أَنَاْ خَيْرٌ مّنْهُ ( الأعراف ١٢ ) وقال فرعون أَلَيْسَ لِى مُلْكُ مِصْرَ ( الزخرف ٥١ ) وكل من ادعى الإلهية أو النبوة بالكذب فليس له غرض إلا تزيين النفس وتقوية الحرص والعجب ولهذا قال عليه السلام ( ثلاث مهلكات وختمها بقوله وإعجاب المرء بنفسه )
الحجة الثامنة أنه تعالى قال فَخُذْ مَا ءاتَيْتُكَ وَكُنْ مّنَ الشَّاكِرِينَ ( الأعراف ١٤٤ ) وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ ( الحجر ٩٩ ) فلما أعطاه الله العطية الكبرى أمره بالاشتغال بخدمة المعطى لا بالفرح بالعطية
الحجة التاسعة أن النبي ( ﷺ ) لما خيره الله بين أن يكون ملكاً نبياً وبين أن يكون عبداً نبياً ترك الملك ولا شك أن وجدان الملك الذي يعم المشرق والمغرب من الكرامات بل من المعجزات ثم إنه ( ﷺ ) ترك ذلك الملك واختار العبودية لأنه إذا كان عبداً كان افتخاره بمولاه وإذا كان ملكاً كان افتخاره بعبيده فلما اختار العبودية لا جرم جعل السنة التي في التحيات التي رواها ابن مسعود ( وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ) وقيل في المعراج سُبْحَانَ الَّذِى أَسْرَى بِعَبْدِهِ ( الإسراء ١ )
الحجة العاشرة أن محب المولى غير ومحب ما للمولى غير فمن أحب المولى لم يفرح بغير المولى ولم يستأنس بغير المولى فالاستئناس بغير المولى والفرح بغيره يدل على أنه ما كان محباً للمولى بل كان محباً لنصيب نفسه ونصيب النفس إنما يطلب للنفس فهذا الشخص ما أحب إلا نفسه وما كان المولى محبوباً له بل جعل المولى وسيلة إلى تحصيل ذلك المطلوب والصنم الأكبر هو النفس كما قال تعالى أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَاهَهُ هَوَاهُ ( الجاثية ٢٣ ) فهذا الإنسان عابد للصنم الأكبر حتى أن المحققين قالوا لا مضرة في عبادة شيء من الأصنام مثل المضرة الحاصلة في عبادة النفس ولا خوف من عبادة الأصنام كالخوف من الفرح بالكرامات
الحجة الحادية عشرة قوله تعالى وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَحْتَسِبُ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ وهذا يدل على أن من لم يتق الله ولم يتوكل عليه لم يحصل له شيء


الصفحة التالية
Icon