من هذه الأفعال والأحوال
المسألة الثامنة في أن الولي هل يعرف كونه ولياً قال الأستاذ أبو بكر بن فورك لا يجوز وقال الأستاذ أبو علي الدقاق وتلميذه أبو القاسم القشيري يجوز وحجة المانعين وجوه
الحجة الأولى لو عرف الرجل كونه ولياً لحصل له الأمن بدليل قوله تعالى أَلا إِنَّ أَوْلِيَاء اللَّهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ لكن حصول الأمن غير جائز ويدل عليه وجوه أحدها قوله مالي فَلاَ يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ واليأس أيضاً غير جائز لقوله تعالى يبَنِى َّ اذْهَبُواْ فَتَحَسَّسُواْ مِن يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلاَ تَايْئَسُواْ مِن ولقوله تعالى وَمَن يَقْنَطُ مِن رَّحْمَة ِ رَبّهِ إِلاَّ الضَّآلُّونَ والمعنى فيه أن الأمن لا يحصل إلا عند اعتقاد العجز واليأس لا يحصل إلا عند اعتقاد البخل واعتقاد العجز والبخل في حق الله كفر فلا جرم كان حصول الأمن والقنوط كفراً الثاني أن الطاعات وإن كثرت إلا أن قهر الحق أعظم ومع كون القهر غالباً لا يحصل الأمن الثالث أن الأمن يقتضي زوال العبودية وترك الخدمة والعبودية يوجب العداوة والأمن يقتضي ترك الخوف الرابع أنه تعالى وصف المخلصين بقوله وَيَدْعُونَنَا رَغَباً وَرَهَباً وَكَانُواْ لَنَا خاشِعِينَ قيل رغباً في ثوابنا ورهباً من عقابنا وقيل رغباً في فضلنا ورهباً من عدلنا وقيل رغباً في وصالنا ورهباً من فراقنا والأحسن أن يقال رغباً فينا ورهباً منا
الحجة الثانية على أن الولي لا يعرف كونه ولياً أن الولي إنما يصير ولياً لأجل أن الحق يحبه لا لأجل أنه يحب الحق وكذلك القول في العدو ثم إن محبة الحق وعداوته سران لا يطلع عليهما أحد فطاعات العباد ومعاصيهم لا تؤثر في محبة الحق وعداوته لأن الطاعات والمعاصي محدثة وصفات الحق قديمة غير متناهية والمحدث المتناهي لا يصير غالباً للقديم غير المتناهي وعلى هذا التقدير فربما كان العبد في الحال في عين المعصية إلا أن نصيبه من الأزل عين المحبة وربما كان العبد في الحال في عين الطاعة ولكن نصيبه من الأزل عين العداوة وتمام التحقيق أن محبته وعداوته صفة وصفة الحق غير معللة ومن كانت محبته لا لعلة فإنه يمتنع أن يصير عدواً بعلة المعصية ومن كانت عدواته لا لعلة يمتنع أن يصير محباً لعلة الطاعة ولما كانت محبة الحق وعداوته سرين لا يطلع عليهما لا جرم قال عيسى عليه السلام تَعْلَمُ مَا فِى نَفْسِى وَلاَ أَعْلَمُ مَا فِى نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ
الحجة الثالثة على أن الولي لا يعرف كونه ولياً أن الحكم بكونه ولياً وبكونه من أهل الثواب والجنة يتوقف على الخاتمة والدليل عليه قوله تعالى مَن جَاء بِالْحَسَنَة ِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا ولم يقل من عمل حسنة فله عشر أمثالها وهذا يدل على أن استحقاق الثواب مستفاد من الخاتمة لا من أول العمل والذي يؤكد ذلك أنه لو مضى عمره في الكفر ثم أسلم في آخر الأمر كان من أهل الثواب وبالضد وهذا دليل على أن العبرة بالخاتمة لا بأول العمل ولهذا قال تعالى قُل لِلَّذِينَ كَفَرُواْ إِن يَنتَهُواْ يُغْفَرْ لَهُمْ مَّا قَدْ سَلَفَ فثبت أن العبرة في الولاية والعداوة وكونه من أهل الثواب أو من أهل العقاب بالخاتمة فظهر أن الخاتمة غير معلومة لأحد فوجب القطع بأن الولي لا يعلم كونه ولياً أما الذين قالوا إن الولي قد يعرف كونه ولياً فقد احتجوا على صحة قولهم بأن الولاية لها ركنان أحدهما كونه في الظاهر منقاداً للشريعة الثاني كونه في الباطن مستغرقاً في نور الحقيقة فإذا حصل الأمران وعرف الإنسان حصولهما


الصفحة التالية
Icon