عرف لا محالة كونه ولياً أما الانقياد في الظاهر للشريعة فظاهر وأما استغراق الباطن في نور الحقيقة فهو أن يكون فرحه بطاعة الله واستئناسه بذكر الله وأن لا يكون له استقرار مع شيء سوى الله والجواب أن تداخل الأغلاط في هذا الباب كثيرة غامضة والقضاء عسر والتجربة خطر والجزم غرور ودون الوصول إلى عالم الربوبية أستار تارة من النيران وأخرى من الأنوار والله العالم بحقائق الأسرار ولنرجع إلى التفسير
نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نبَأَهُم بِالْحَقِّ إِنَّهُمْ فِتْيَة ٌ ءَامَنُواْ بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى وَرَبَطْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ إِذْ قَامُواْ فَقَالُواْ رَبُّنَا رَبُّ السَّمَاوَاتِ والأرض لَن نَّدْعُوَاْ مِن دُونِهِ إِلاهاً لَّقَدْ قُلْنَا إِذًا شَطَطًا هَاؤُلا ءِ قَوْمُنَا اتَّخَذْواْ مِن دُونِهِ ءَالِهَة ً لَّوْلاَ يَأْتُونَ عَلَيْهِم بِسُلْطَانٍ بَيِّنٍ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا
اعلم أنه تعالى ذكر من قبل جملة من واقعتهم ثم قال نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نبَأَهُم بِالْحَقّ أي على وجه الصدق نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نبَأَهُم كانوا جماعة من الشبان آمنوا بالله ثم قال تعالى في صفاتهم وَرَبَطْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أي ألهمناها الصبر وثبتناها إِذْ قَامُواْ وفي هذا القيام أقوال الأول قال مجاهد كانوا عظماء مدينتهم فخرجوا فاجتمعوا وراء المدينة من غير ميعاد فقال رجل منهم أكبر القوم إني لأجد في نفسي شيئاً ما أظن أن أحداً يجده قالوا ما تجد قال أجد في نفسي أن ربي رب السموات والأرض القول الثاني أنهم قاموا بين يدي ملكهم دقيانوس الجبار وقالوا ربنا رب السموات والأرض وذلك لأنه كان يدعو الناس إلى عبادة الطواغيت فثبت الله هؤلاء الفتية وعصمهم حتى عصوا ذلك الجبار وأقروا بربوبية الله وصرحوا بالبراءة عن الشركاء والأنداد والقول الثالث وهو قول عطاء ومقاتل أنهم قالوا ذلك عند قيامهم من النوم وهذا بعيد لأن الله استأنف قصتهم بقوله نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ وقوله لَّقَدْ قُلْنَا إِذًا شَطَطًا معنى الشطط في اللغة مجاوزة الحد قال الفراء يقال قد أشط في السوم إذ جاوز الحد ولم يسمع إلا أشط يشط أشطاطاً وشططاً وحكى الزجاج وغيره شط الرجل وأشط إذا جاوز الحد ومنه قوله وَلاَ تُشْطِطْ ( ص ٢٢ ) وأصل هذا من قولهم شطت الدار إذا بعدت فالشطط البعد عن الحق وهو ههنا منصوب على المصدر والمعنى لقد قلنا إذا قولاً شططاً أما قوله هَؤُلاء قَوْمُنَا اتَّخَذْواْ مِن دُونِهِ ءالِهَة ً هذا من قول أصحاب الكهف ويعنون الذين كانوا في زمان دقيانوس عبدوا الأصنام لَّوْلاَ يَأْتُونَ لَّوْلاَ يَأْتُونَ عَلَيْهِم بِسُلْطَانٍ بَيّنٍ بحجة بينة


الصفحة التالية
Icon