الأولين بأنهما رجم بالغيب فوجب أن يكون الحق هو هذا الثالث الوجه السابع أنه تعالى قال لرسوله فَلاَ تُمَارِ فِيهِمْ إِلاَّ مِرَآء ظَاهِرًا وَلاَ تَسْتَفْتِ فِيهِمْ مّنْهُمْ أَحَداً فمنعه الله تعالى عن المناظرة معهم وعن استفتائهم في هذا الباب وهذا إنما يكون لو علمه حكم هذه الواقعة وأيضاً أنه تعالى قال مَّا يَعْلَمُهُمْ إِلاَّ قَلِيلٌ ويبعد أن يحصل العلم بذلك لغير النبي ولا يحصل للنبي فعلمنا أن العلم بهذه الواقعة حصل للنبي عليه السلام والظاهر أنه لم يحصل ذلك العلم إلا بهذا الوحي لأن الأصل فيما سواه العدم وأن يكون الأمر كذلك فكان الحق هو قوله وَيَقُولُونَ سَبْعَة ٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ واعلم أن هذه الوجوه وإن كان بعضها أضعف من بعض إلا أنه لما تقوى بعضها ببعض حصل فيه كمال وتمام والله أعلم بقي في الآية مباحث
البحث الأول في الآية حذف والتقدير سيقولون هم ثلاثة فحذف المبتدأ لدلالة الكلام عليه
البحث الثاني خص القول الأول بسين الاستقبال وهو قوله سيقولون والسبب فيه أن حرف العطف يوجب دخول القولين الآخرين فيه
البحث الثالث الرجم هو الرمي والغيب ما غاب عن الإنسان فقوله رَجْماً بِالْغَيْبِ معناه أن يرى ما غاب عنه ولا يعرفه بالحقيقة يقال فلان يرمي بالكلام رمياً أي يتكلم من غير تدبر
البحث الرابع ذكروا في فائدة الواو في قوله وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ وجوهاً الوجه الأول ما ذكرنا أنه يدل على أن هذا القول أولى من سائر الأقوال وثانيها أن السبعة عند العرب أصل في المبالغة في العدد قال تعالى إِن تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّة ً وإذا كان كذلك فإذا وصلوا إلى الثمانية ذكروا لفظاً يدل على الاستئناف فقالوا وثمانية فجاء هذا الكلام على هذا القانون قالوا ويدل عليه نظيره في ثلاث آيات وهي قوله وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنكَرِ ( التوبة ١١٢ ) لأن هذا هو العدد الثامن من الأعداد المتقدمة وقوله حَتَّى إِذَا جَاءوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوابُهَا ( الزمر ٧٣ ) لأن أبواب الجنة ثمانية وأبواب النار سبعة وقوله ثَيّبَاتٍ وَأَبْكَاراً ( التحريم ٥ ) هو العدد الثامن مما تقدم والناس يسمون هذه الواو واو الثمانية ومعناه ما ذكرناه قال القفال وهذا ليس بشيء والدليل عليه قوله تعالى هُوَ اللَّهُ الَّذِى لاَ إله إِلاَّ هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبّرُ ( الحشر ٢٣ ) ولم يذكر الواو في النعت الثامن ثم قال تعالى قُل رَّبّى أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِم مَّا يَعْلَمُهُمْ إِلاَّ قَلِيلٌ وهذا هو الحق لأن العلم بتفاصيل كائنات العالم والحوادث التي حدثت في الماضي والمستقبل لا تحصل إلا عند الله تعالى وإلا عند من أخبره الله عنها وقال ابن عباس أنا من أولئك القليل قال القاضي إن كان قد عرفه ببيان الرسول صح وإن كان قد تعلق فيه بحرف الواو فضعيف ويمكن أن يقال الوجوه السبعة المذكورة وإن كانت لا تفيد الجزم إلا أنها تفيد الظن واعلم أنه تعالى لما ذكر هذه القصة أتبعه بأن نهي رسوله عن شيئين عن المراء والاستفتاء أما النهي عن المراء فقوله فَلاَ تُمَارِ فِيهِمْ إِلاَّ مِرَآء ظَاهِرًا والمراد من المراء الظاهر أن لا يكذبهم في تعيين ذلك العدد بل يقول هذا التعيين لا دليل عليه فوجب التوقف وترك القطع ونظيره قوله تعالى وَلاَ تُجَادِلُواْ أَهْلَ الْكِتَابِ إِلاَّ بِالَّتِى هِى َ أَحْسَنُ ( العنكبوت ٤٦ ) وأما النهي عن الاستفتاء فقوله وَلاَ تَسْتَفْتِ فِيهِمْ مّنْهُمْ أَحَداً وذلك لأنه لما ثبت أنه ليس عندهم علم في هذا الباب وجب المنع من استفتائهم واعلم أن نفاة القياس تمسكوا بهذه الآية


الصفحة التالية
Icon