وَلاَ تَقْولَنَّ لِشَى ْء ومعلوم أن الشيء الذي سيفعله الفاعل غداً فهو معدوم في الحال فوجب تسمية المعدوم بأنه شيء والجواب أن هذا الاستدلال لا يفيد إلا أن المعدوم مسمى بكونه شيئاً وعندنا أن السبب فيه أن الذي سيصير شيئاً يجوز تسميته بكونه شيئاً في الحال كما أنه قال أَتَى أَمْرُ اللَّهِ ( النحل ١ ) والمراد سيأتي أمر الله أما قوله وَاذْكُر رَّبَّكَ إِذَا نَسِيتَ ففيه وجهان الأول أنه كلام متعلق بما قبله والتقدير أنه إذا نسي أن يقول إن شاء الله فليذكره إذا تذكره وعند هذا اختلفوا فقال ابن عباس رضي الله عنهما لو لم يحصل التذكر إلا بعد مدة طويلة ثم ذكر إن شاء الله كفى في دفع الحنث وعن سعيد بن جبير بعد سنة أو شهر أو أسبوع أو يوم وعن طاوس أنه يقدر على الاستثناء في مجلسه وعن عطاء يستثني على مقدار حلب الناقة الغزيرة وعند عامة الفقهاء أنه لا أثر له في الأحكام ما لم يكن موصولاً واحتج ابن عباس بقوله وَاذْكُر رَّبَّكَ إِذَا نَسِيتَ لأن الظاهر أن المراد من قوله وَاذْكُر رَّبَّكَ إِذَا نَسِيتَ هو الذي تقدم ذكره في قوله إِلاَّ أَن يَشَاء اللَّهُ وقوله وَاذْكُر رَّبَّكَ غير مختص بوقت معين بل هو يتناول كل الأوقات فوجب أن يجب عليه هذا الذكر في أي وقت حصل هذا التذكر وكل من قال وجب هذا الذكر قال إنه إنما وجب لدفع الحنث وذلك يفيد المطلوب واعلم أن استدلال ابن عباس رضي الله عنهما ظاهر في أن الاستثناء لا يجب أن يكون متصلاً أما الفقهاء فقالوا إنا لو جوزنا ذلك لزم أن لا يستقر شيء من العقود والإيمان يحكى أنه بلغ المنصور أن أبا حنيفة رحمه الله خالف ابن عباس في الأستثناء المنفصل فاستحضره لينكر عليه فقال أبو حنيفة رحمه الله هذا يرجع عليك فإنك تأخذ البيعة بالإيمان أتفرض أن يخرجوا من عندك فيستثنوا فيخرجوا عليك فاستحسن المنصور كلامه ورضي به واعلم أن حاصل هذا الكلام يرجع إلى تخصيص النص بالقياس وفيه ما فيه وأيضاً فلو قال إن شاء الله على سبيل الخفية بلسانه بحيث لا يسمعه أحد فهو معتبر ودافع للحنث بالإجماع مع أن المحذور الذي ذكرتم حاصل فيه فثبت أن الذي عولوا عليه ليس بقوي والأولى أن يحتجوا في وجوب كون الاستثناء متصلاً بأن الآيات الكثيرة دلت على وجوب الوفاء بالعقد والعهد قال تعالى أَوْفُواْ بِالْعُقُودِ ( المائدة ١ ) وقال وَأَوْفُواْ بِالْعَهْدِ ( الإسراء ٣٤ ) فالآتي بالعهد يجب عليه الوفاء بمقتضاه لأجل هذه الآيات خالفنا هذا الدليل فيما إذا كان متصلاً لأن الاستثناء مع المستثنى منه كالكلام الواحد بدليل أن لفظ الاستثناء وحده لا يفيد شيئاً فهو جار مجرى نصف اللفظ الواحدة فجملة الكلام كالكلمة الواحدة المفيدة وعلى هذا التقدير فعند ذكر الاستثناء عرفنا أنه لم يلزم شيء بخلاف ما إذا كان الاستثناء متصلاً فإنه حصل الالتزام التام بالكلام فوجب عليه الوفاء بذلك الملتزم والقول الثاني أن قوله وَاذْكُر رَّبَّكَ إِذَا نَسِيتَ لا تعلق له بما قبله بل هو كلام مستأنف وعلى هذا القول ففيه وجوه أحدها واذكر ربك بالتسبيح والاستغفار إذا نسيت كلمة الاستثناء والمراد منه الترغيب في الاهتمام بذكر هذه الكلمة وثانيها واذكر ربك إذا اعتراك النسيان ليذكرك المنسي وثالثها حمله بعضهم على أداء الصلاة المنسية عند ذكرها وهذا القول بما فيه من الوجوه الثلاثة بعيد لأن تعلق هذا الكلام بما قبله يفيد إتمام الكلام في هذه القضية وجعله كلاماً مستأنفاً يوجب صيرورة الكلاء مبتدأ منقطعاً وذلك لا يجوز ثم قال


الصفحة التالية
Icon