وهو به آنس وأما الثاني وهو أن ما أتى به الرسول عليه السلام سحر وأنهم يرون كونه سحراً فجهل أيضاً لأن كل ما أتى به الرسول من القرآن وغيره ظاهر الحال لا تمويه فيه ولا تلبيس فيه فقد كان عليه السلام يتحداهم بالقرآن حالاً بعد حال مدة من الزمان وهم أرباب الفصاحة والبلاغة وكانوا في نهاية الحرص على إبطال أمره وأقوى الأمور في إبطال أمره معارضة القرآن فلو قدروا على المعارضة لامتنع أن لا يأتوا بها لأن الفعل عند توافر الدواعي وارتفاع الصارف واجب الوقوع فلما لم يأتوا بها دلنا ذلك على أنه في نفسه معجزة وأنهم عرفوا حاله فكيف يجوز أن يقال إنه سحر والحال على ما ذكرناه وكل ذلك يدل على أنهم كانوا عالمين بصدقه إلا أنهم كانوا يموهون على ضعفائهم بمثل هذا القول وإن كانوا فيه مكابرين
قَالَ رَبِّى يَعْلَمُ الْقَوْلَ فِى السَّمَآءِ والأرض وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ بَلْ قَالُوا أَضْغَاثُ أَحْلاَمٍ بَلِ افْتَرَاهُ بَلْ هُوَ شَاعِرٌ فَلْيَأْتِنَا بِأايَة ٍ كَمَآ أُرْسِلَ الاٌّ وَّلُونَ مَآ ءَامَنَتْ قَبْلَهُمْ مِّن قَرْيَة ٍ أَهْلَكْنَاهَآ أَفَهُمْ يُؤْمِنُونَ
أما قوله قَالَ رَبّى يَعْلَمُ الْقَوْلَ فِى السَّمَاء وَالاْرْضِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ففيه مسائل
المسألة الأولى قرىء قَالَ رَبّى حكاية لقول رسول الله ( ﷺ ) وهي قراءة حمزة والكسائي وحفص عن عاصم وقرأ الباقون قل بضم القاف وحذف الألف وسكون اللام
المسألة الثانية أنه تعالى لما أورد هذا الكلام عقيب ما حكى عنهم وجب أن يكون كالجواب لما قالوه فكأنه قال إنكم وإن أخفيتم قولكم وطعنكم فإن ربي عالم بذلك وإنه من وراء عقوبته فتوعدوا بذلك لكي لا يعودوا إلى مثله
المسألة الثالثة قال صاحب الكشاف فإن قلت فهلا قيل له يعلم السر لقوله وَأَسَرُّواْ النَّجْوَى ( الأنبياء ٣ ) قلت القول علام يشمل السر والجهر فكأن في العلم به العلم بالسر وزيادة فكأن آكد في بيان الإطلاع على نجواهم من أن يقول يَعْلَمُ السّرَّ كما أن قوله تعالى يَعْلَمُ السّرَّ آكد من أن يقول يعلم سرهم فإن قلت فلم ترك الآكد في سورة الفرقان في قوله قُلْ أَنزَلَهُ الَّذِى يَعْلَمُ السّرَّ فِى السَّمَاوَاتِ وَالاْرْضَ ( الفرقان ٦ ) قلت ليس بواجب أن يجيء بالآكد في قوله في كل موضع ولكن يجيء بالتوكيد مرة وبالآكد مرة أخرى ثم الفرق أنه قدم ههنا أنهم أسروا النجوى فكأنه أراد أن يقول إن ربي يعلم ما أسروه فوضع القول موضع ذلك للمبالغة وثمة قصد وصف ذاته بأن قال أَنزَلَهُ الَّذِى يَعْلَمُ السّرَّ فِى السَّمَاوَاتِ وَالاْرْضَ فهو كقوله عَلَّامُ الْغُيُوبِ ( سبأ ٤٨ ) عَالِمِ الْغَيْبِ لاَ يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّة ٍ ( سبأ ٣ )
المسألة الرابعة إنما قدم السميع على العليم لأنه لا بد من سماع الكلام أولاً ثم من حصول العلم بمعناه أما قوله بَلْ قَالُواْ أَضْغَاثُ أَحْلاَمٍ بَلِ افْتَرَاهُ بَلْ هُوَ شَاعِرٌ فَلْيَأْتِنَا بِئَايَة ٍ كَمَا أُرْسِلَ الاْوَّلُونَ فاعلم أنه


الصفحة التالية
Icon