تعالى عاد إلى حكاية قولهم المتصل بقوله هَلْ هَاذَا إِلاَّ بَشَرٌ مّثْلُكُمْ أَفَتَأْتُونَ السّحْرَ ( الأنبياء ٣ ) ثم قال بَلْ قَالُواْ أَضْغَاثُ أَحْلاَمٍ بَلِ افْتَرَاهُ بَلْ هُوَ شَاعِرٌ فحكى عنهم ثم هذه الأقوال الخمسة فترتيب كلامهم كأنهم قالوا ندعي أن كونه بشراً مانع من كونه رسولاً لله تعالى سلمنا أنه غير مانع ولكن لا نسلم أن هذا القرآن معجز ثم إما أن يساعد على أن فصاحة القرآن خارجة عن مقدور البشر قلنا لم لا يجوز أن يكون ذلك سحراً وإن لم يساعد عليه فإن ادعينا كونه في نهاية الركاكة قلنا إنها أضغاث أحلام وإن ادعينا أنه متوسط بين الركاكة والفصاحة قلنا إنه افتراه وإن ادعينا إنه كلام فصيح قلنا إنه من جنس فصاحة سائر الشعراء وعلى جميع هذه التقديرات فإنه لا يثبت كونه معجزاً ولما فرغوا من تعديد هذه الاحتمالات قالوا بَلْ قَالُواْ أَضْغَاثُ أَحْلاَمٍ بَلِ فالمراد أنهم طلبوا آية جلية لا يتطرق إليها شيء من هذه الاحتمالات كالآيات المنقولة عن موسى وعيسى عليهما السلام ثم إن الله تعالى بدأ بالجواب عن هذا السؤال الأخير بقوله مَا ءامَنَتْ قَبْلَهُمْ مِن قَرْيَة ٍ أَهْلَكْنَاهَا أَفَهُمْ يُؤْمِنُونَ والمعنى أنهم في العتو أشد من الذين اقترحوا على أنبيائهم الآيات وعهدوا أنهم يؤمنون عندها فلما جاءتهم نكثوا وخالفوا فأهلكهم الله فلو أعطيناهم ما يقترحون لكانوا أشد نكثاً قال الحسن رحمه الله تعالى إنهم لم يجابوا لأن حكم الله تعالى أن من كذب بعد الإجابة إلى ما اقترحه من الآيات فلا بد من أن ينزل به عذاب الاستئصال وقد مضى حكمه في أمة محمد ( ﷺ ) خاصة بخلافه فلذلك لم يجبهم
وَمَآ أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ إِلاَّ رِجَالاً نُّوحِى إِلَيْهِمْ فَاسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ وَمَا جَعَلْنَاهُمْ جَسَداً لاَّ يَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَمَا كَانُواْ خَالِدِينَ ثُمَّ صَدَقْنَاهُمُ الْوَعْدَ فَأَنجَيْنَاهُمْ وَمَن نَّشَآءُ وَأَهْلَكْنَا الْمُسْرفِينَ لَقَدْ أَنزَلْنَآ إِلَيْكُمْ كِتَاباً فِيهِ ذِكْرُكُمْ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ
اعلم أنه تعالى أجاب عن سؤالهم الأول وهو قولهم مَا هَاذَا إِلاَّ بَشَرٌ مّثْلُكُمْ ( المؤمنون ٣٣ ) بقوله وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ إِلاَّ رِجَالاً نُّوحِى إِلَيْهِمْ فبين أن هذه عادة الله تعالى في الرسل من قبل محمد ( ﷺ ) ولم يمنع ذلك من كونهم رسلاً للآيات التي ظهرت عليهم فإذا صح ذلك فيهم فقد ظهر على محمد مثل آياتهم فلا مقال عليه في كونه بشراً فأما قوله تعالى فَاسْئَلُواْ أَهْلَ الذّكْرِ فالمعنى أنه تعالى أمرهم أن يسألوا أهل الذكر وهم أهل الكتاب حتى يعلموهم أن رسل الله الموحى إليهم كانوا بشراً ولم يكونوا ملائكة وإنما أحالهم على هؤلاء لأنهم كانوا يتابعون المشركين في معاداة رسول الله ( ﷺ ) قال تعالى وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُواْ أَذًى كَثِيراً ( آل عمران ١٨٦ ) فإن


الصفحة التالية
Icon