يكون إلهاً وإن لم يكن صفة كمال فالموصوف به يكون موصوفاً بما لايكون صفة كمال فيكون ناقصاً ويمكن أن يقال ما به الممايزة إن كان معتبراً في تحقق الإلهية فالخالي عنه لا يكون إلهاً وإن لم يكن معتبراً في الإلهية لم يكن الاتصاف به واجباً فيفتقر إلى المخصص فالموصوف به مفتقر ومحتاج وثالثها أن يقال لو فرضنا إلهين لكان لا بد وأن يكونا بحيث يتمكن الغير من التمييز بينهما لكن الامتياز في عقولنا لا يحصل إلا بالتباين في المكان أو في الزمان أو في الوجوب والإمكان وكل ذلك على الإله محال فيمتنع حصول الإمتياز ورابعها أن أحد الإلهين إما أن يكون كافياً في تدبير العالم أو لا يكون فإن كان كافياً كان الثاني ضائعاً غير محتاج إليه وذلك نقص والناقص لا يكون إلهاً وخامسها أن العقل يقتضي احتياج المحدث إلى الفاعل ولا امتناع في كون الفاعل الواحد مدبراً لكل العالم فأما ما وراء ذلك فليس عدد أولى من عدد فيفضي ذلك إلى وجود أعداد لا نهاية لها وذلك محال فالقول بوجود الآلهة محال وسادسها أن أحد الإلهين إما أن يقدر على أن يخص نفسه بدليل يدل عليه ولا يدل على غيره أو لا يقدر عليه والأول محال لأن دليل الصانع ليس إلا بالمحدثات وليس في حدوث المحدثات ما يدل على تعيين أحدهما دون الثاني والتالي محال لأنه يفضي إلى كونه عاجزاً عن تعريف نفسه على التعيين والعاجز لا يكون إلهاً وسابعها أن أحد الإلهين إما أن يقدر على أن يستر شيئاً من أفعاله عن الآخر أو لا يقدر فإن قدر لزم أن يكون المستور عنه جاهلاً وإن لم يقدر لزم كونه عاجزاً وثامنها لو قدرنا إلهين لكان مجموع قدرتيهما بينهما أقوى من قدرة كل واحد منهما وحده فيكون كل واحد من القدرتين متناهياً والمجموع ضعف المتناهي فيكون الكل منتاهياً وتاسعاً العدد ناقص لاحتياجه إلى الواحد والواحد الذي يوجد من جنسه عدد ناقص ناقص لأن العدد أزيد منه والناقص لا يكون إلهاً فالإله واحد لا محالة وعاشرها أنا لو فرضنا معدوماً ممكن الوجود ثم قدرنا إلهين فإن لم يقدر واحد منهما على إيجاده كان كل واحد منهما عاجزاً والعاجز لا يكون إلهاً وإن قدر أحدهما دون الآخر فهذا الآخر يكون إلهاً وإن قدرا جميعاً فإما أن يوجداه بالتعاون فيكون كل واحد منهما محتاجاً إلى إعانة الآخر وإن قدر كل واحد على إيجاده بالاستقلال فإذا أوجده أحدهما فإما أن يبقى الثاني قادراً عليه وهو محال لأن إيجاد الموجود محال وإن لم يبق فحينئذ يكون الأول قد أزال قدرة الثاني وعجزه فيكون مقهوراً تحت تصرفه فلا يكون إلهاً فإن قيل الواجد إذا أوجد مقدوره فقد زالت قدرته عنه فيلزمكم العجز قلنا الواحد إذا أوجده فقد نفذت قدرته فنفاذ القدرة لا يكون عجزاً أما الشريك فإنه لما نفذت قدرته لم يبق لشريكه قدرة ألبتة بل زالت قدرته بسبب قدرة الأول فيكون تعجيزاً الحادي عشر أن نقرر هذه الدلالة على وجه آخر وهو أن نعين جسماً وتقول هل يقدر كل واحد منهما على خلق الحركة فيه بدلاً عن السكون وبالعكس فإن لم يقدر كان عاجزاً وإن قدر فنسوق الدلالة إلى أن نقول إذا خلق أحدهما فيه حركة امتنع على الثاني خلق السكون فالأول أزال قدرة الثاني وعجزه فلا يكون إلهاً وهذان الوجهان يفيدان العجز نظراً إلى قدرتيهما والدلالة الأولى إنما تفيد العجز بالنظر إلى أرادتيهما وثاني عشرها أنهما لما كانا عالمين بجميع المعلومات كان علم كل واحد منهما متعلقاً بعين معلوم الآخر فوجب تماثل علميهما والذات القابلة لأحد المثلين قابلة للمثل الآخر فاختصاص كل واحد منهما بتلك الصفة مع جواز اتصافه بصفة الآخر على البدل يستدعي مخصصاً يخصص كل واحد منهما بعلمه وقدرته فيكون كل واحد منهما عبداً فقيراً ناقصاً وثالث عشرها أن الشركة عيب ونقص في الشاهد والفردانية والتوحد صفة كمال ونرى الملوك يكرهون الشركة في الملك الحقير المختصر أشد الكراهية ونرى أنه كلما كان الملك أعظم كانت النفرة عن الشركة أشد فما ظنك بملك الله عز وجل وملكوته فلو أراد أحدهما استخلاص الملك لنفسه فإن قدر عليه كان المغلوب فقيراً عاجزاً فلا يكون إلهاً وإن لم يقدر عليه كان في أشد الغم والكراهية فلا يكون إلهاً ورابع عشرها أنا لو قدرنا إلهين لكان إما أن يحتاج كل واحد منهما إلى الآخر أو يستغني كل واحد منهما عن الآخر أو يحتاج أحدهما إلى الآخر والآخر يستغني عنه فإن كان الأول كان كل واحد منهما ناقصاً لأن المحتاج ناقص وإن كان الثاني كان كل واحد منهما مستغنياً عنه والمستغني عنه ناقص ألا ترى أن البلد إذا كان له رئيس والناس يحصلون مصالح البلد


الصفحة التالية
Icon