من غير رجوع منهم إليه ومن غير التفات منهم إليه عد ذلك الرئيس ناقصاً فالإله هو الذي يستغني به ولا يستغنى عنه وإن احتاج أحدهما إلى الآخر من غير عكس كان المحتاج ناقصاً والمحتاج إليه هو الإله واعلم أن هذه الوجوه ظنية إقناعية والاعتماد على الوجوه المتقدمة أما الدلائل السمعية فمن وجوه أحدها قوله تعالى هُوَ الاْوَّلُ وَالاْخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ ( الحديد ٣ ) فالأول هو الفرد السابق ولذلك لو قال أول عبد اشتريته فهو حر فلو اشترى أولا عبدين لم يحنث لأن شرط الأول أن يكون فرداً وهذا ليس بفرد فلو اشترى بعد ذلك واحداً لم يحنث أيضاً لأن شرط الفرد أن يكون سابقاً وهذا ليس بسابق فلما وصف الله تعالى نفسه بكونه أولاً وجب أن يكون فرداً سابقاً فوجب أن لا يكون له شريك وثانيها قوله تعالى وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لاَ يَعْلَمُهَا إِلاَّ هُوَ ( الأنعام ٥٩ ) فالنص يقتضي أن لا يكون له شريك وثالثها أن الله تعالى صرح بكلمة لاَ إله إِلاَّ هُوَ ( البقرة ١٦٣ ) في سبعة وثلاثين موضعاً من كتابه وصرح بالوحدانية في مواضع نحو قوله وَإِلَاهُكُمْ إِلَاهٌ واحِدٌ ( البقرة ١٦٣ ) وقوله قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ( الإخلاص ١ ) وكل ذلك صريح في الباب ورابعها قوله تعالى كُلُّ شَى ْء هَالِكٌ إِلاَّ وَجْهَهُ حكم بهلاك كل ما سواه ومن عدم بعد وجوده لا يكون قديماً ومن لا يكون قديماً لا يكون إلهاً وخامسها قوله تعالى لَوْ كَانَ فِيهِمَا الِهَة ٌ إِلاَّ اللَّهُ لَفَسَدَتَا وهو كقوله وَلَعَلاَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ ( المؤمنون ٩١ ) وقوله إِذًا لاَّبْتَغَوْاْ إِلَى ذِى الْعَرْشِ سَبِيلاً ( الإسراء ٤٢ ) وسادسها قوله وَإِن يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرّ فَلاَ كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ ( الأنعام ١٧ ) وَإِن يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلاَ رَادَّ لِفَضْلِهِ ( يونس ١٠٧ ) وقال في آية أخرى قُلْ أَفَرَايْتُم مَّا تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ إِنْ أَرَادَنِى َ اللَّهُ بِضُرّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرّهِ أَوْ أَرَادَنِى بِرَحْمَة ٍ هَلْ ( الزمر ٣٨ ) وسابعها قوله تعالى قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَخَذَ اللَّهُ سَمْعَكُمْ وَأَبْصَارَكُمْ وَخَتَمَ عَلَى قُلُوبِكُمْ مَّنْ إِلَاهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِهِ ( الأنعام ٤٦ ) وهذا الحصر يدل على نفي الشريك وثامنها قوله تعالى اللَّهُ خَالِقُ كُلّ شَى ْء ( الزمر ٦٢ ) فلو وجد الشريك لم يكن خالقاً فلم يكن فيه فائدة واعلم أن كل مسألة لا تتوقف معرفة صدق الرسل عليها فإنه يمكن إثباتها بالسمع والوحدانية لا تتوقف معرفة صدق الرسل عليها فلا جرم يمكن إثباتها بالدلائل السمعية واعلم أن من طعن في دلالة التمانع فسر الآية بأن المراد لو كان في السماء والأرض آلهة تقول بإلهيتها عبدة الأوثان لزم فساد العالم لأنها جمادات لا تقدر على تدبير العالم فيلزم فساد العالم قالوا وهذا أولى لأنه تعالى حكى عنهم قوله أَمِ اتَّخَذُواْ الِهَة ً مّنَ الاْرْضِ هُمْ يُنشِرُونَ ثم ذكر الدلالة على فساد هذا فوجب أن يختص الدليل به وبالله التوفيق
أما قوله تعالى فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ ففيه مسألتان
المسألة الأولى أنه سبحانه لما أقام الدلالة القاطعة على التوحيد قال بعده فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ أي هو منزه لأجل هذه الأدلة عن وصفهم بأن معه إلهاً وهذا تنبيه على أن الإشتغال بالتسبيح إنما ينفع بعد إقامة الدلالة على كونه تعالى منزهاً وعلى أن طريقة التقليد طريقة مهجورة
المسألة الثانية لقائل أن يقول أي فائدة لقوله فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ ولمَ لم يكتف بقوله فَسُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ وجوابه أن هذه المناظرة إنما وقعت مع عبدة الأصنام إلا أن الدليل الذي ذكره الله تعالى يعم جميع المخالفين ثم إنه تعالى بعد ذكر الدليل العام نبه


الصفحة التالية
Icon