أي كانتا مرتوقتين فإن قلت الرتق صالح أن يقع موقع مرتوقتين لأنه مصدر فما بال الرتق قلت هو على تقدير موصوف أي كانتا شيئاً رتقاً
المسألة الثانية لقائل أن يقول المراد من الرؤية في قوله تعالى أَوَ لَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُواْ إما الرؤية وإما العلم والأول مشكل أما أولاً فلأن القوم ما رأوهما كذلك البتة وأما ثانياً فلقوله سبحانه وتعالى مَّا أَشْهَدتُّهُمْ خَلْقَ السَّمَاوَاتِ وَالاْرْضَ ( الكهف ٥١ ) وأما العلم فمشكل لأن الأجسام قابلة للفتق والرتق في أنفسها فالحكم عليها بالرتق أولاً وبالفتق ثانياً لا سبيل إليه إلا السمع والمناظرة مع الكفار الذين ينكرون الرسالة فكيف يجوز التمسك بمثل هذا الاستدلال والجواب المراد من الرؤية هو العلم وما ذكروه من السؤال فدفعه من وجوه أحدها أنا نثبت نبوة محمد ( ﷺ ) بسائر المعجزات ثم نستدل بقوله ثم نجعله دليلاً على حصول النظام في العالم وانتقاء الفساد عنه وذلك يؤكد الدلالة المذكورة في التوحيد وثانياً أن يحمل الرتق والفتق على إمكان الرتق والفتق والعقل يدل عليه لأن الأجسام يصح عليها الاجتماع والافتراق فاختصاصها بالاجتماع دون الافتراق أو بالعكس يستدعي مخصصاً وثالثها أن اليهود والنصارى كانوا عالمين بذلك فإنه جاء في التوراة إن الله تعالى خلق جوهرة ثم نظر إليها بعين الهيبة فصارت ماء ثم خلق السموات والأرض منها وفتق بينها وكان بين عبدة الأوثان وبين اليهود نوع صداقة بسبب الاشتراك في عداوة محمد ( ﷺ ) فاحتج الله تعالى عليهم بهذه الحجة بناء على أنهم يقبلون قول اليهود في ذلك
المسألة الثالثة إنما قال كانتا رتقاً ولم يقل كن رتقاً لأن السموات لفظ الجمع والمراد به الواحد الدال على الجنس قال الأخفش السموات نوع والأرض نوع ومثله إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالاْرْضَ أَن تَزُولاَ ومن ذلك قولهم أصلحنا بين القومين ومرت بنا غنمان أسودان لأن هذا القطيع غنم وذلك غنم
المسألة الرابعة الرتق في اللغة السد يقال رتقت الشيء فارتتق والفتق الفصل بين الشيئين الملتصقين قال الزجاج الرتق مصدر والمعنى كانتا ذواتي رتق قال المفضل إنما لم يقل كانتا رتقين كقوله وَمَا جَعَلْنَاهُمْ جَسَداً لاَّ يَأْكُلُونَ الطَّعَامَ ( الأنبياء ٨ ) لأن كل واحد جسد كذلك فيما نحن فيه كل واحد رتق
المسألة الخامسة اختلف المفسرون في المراد من الرتق والفتق على أقوال أحدها وهو قول الحسن وقتادة وسعيد بن جبير ورواية عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهم أن المعنى كانتا شيئاً واحداً ملتزقتين ففصل الله بينهما ورفع السماء إلى حيث هي وأقر الأرض وهذا القول يوجب أن خلق الأرض مقدم على خلق السماء لأنه تعالى لما فصل بينهما ترك الأرض حيث هي وأصعد الأجزاء السماوية قال كعب خلق الله السموات والأرض ملتصقتين ثم خلق ريحاً توسطتهما ففتقهما بها وثانيها وهو قول أبي صالح ومجاهد أن المعنى كانت السموات مرتفعة فجعلت سبع سموات وكذلك الأرضون وثالثها وهو قول ابن عباس والحسن وأكثر المفسرين أن السموات والأرض كانتا رتقاً بالاستواء والصلابة ففتق الله السماء بالمطر والأرض بالنبات والشجر ونظيره قوله تعالى وَالسَّمَاء ذَاتِ الرَّجْعِ وَالاَرْضِ ذَاتِ الصَّدْعِ ( الطارق ١١ ١٢ ) ورجحوا هذا الوجه على سائر الوجوه بقوله بعد ذلك وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاء كُلَّ شَى ْء حَى ّ وذلك لا يليق إلا وللماء تعلق بما تقدم ولا يكون كذلك إلا إذا كان المراد ما ذكرنا فإن قيل هذا الوجه مرجوح لأن المطر لا ينزل من السموات بل


الصفحة التالية
Icon