والمعنى ولقد استهزئ برسل من قبلك يا محمد كما استهزأ بك قومك فَحَاقَ أي نزل وأحاط بِالَّذِينَ سَخِرُواْ مِنْهُمْ مَّا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِءونَ أي عقوبة استهزائهم وحاق وحق بمعنى كزال وزل وفي هذا تسلية للنبي ( ﷺ ) والمعنى فكذلك يحيق بهؤلاء وبال استهزائهم
قُلْ مَن يَكْلَؤُكُم بِالَّيْلِ وَالنَّهَارِ مِنَ الرَّحْمَنِ بَلْ هُمْ عَن ذِكْرِ رَبِّهِمْ مُّعْرِضُونَ أَمْ لَهُمْ آلِهَة ٌ تَمْنَعُهُمْ مِّن دُونِنَا لاَ يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَ أَنْفُسِهِمْ وَلاَ هُمْ مِّنَّا يُصْحَبُونَ بَلْ مَتَّعْنَا هَاؤُلا ءِ وَءَابَآءَهُمْ حَتَّى طَالَ عَلَيْهِمُ الْعُمُرُ أَفَلاَ يَرَوْنَ أَنَّا نَأْتِى الأرض نَنقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَآ أَفَهُمُ الْغَالِبُونَ
اعلم أنه تعالى لما بين أن الكفار في الآخرة لا يكفون عن وجوههم النار بسائر ما وصفهم به أتبعه بأنهم في الدنيا أيضاً لولا أن الله تعالى يحرسهم ويحفظهم لما بقوا في السلامة فقال لرسوله قل لهؤلاء الكفار الذين يستهزءون ويغترون بما هم عليه مَن يَكْلَؤُكُم بِالَّيْلِ وَالنَّهَارِ وهذا كقول الرجل لمن حصل في قبضته ولا مخلص له منه إلى أين مقرك منى هل لك محيص عنيا والكالىء الحافظ
وأما قوله مّنَ الرَّحْمَنِ ففيه مسائل
المسألة الأولى في معناه وجوه أحدها مَن يَكْلَؤُكُم مّنَ الرَّحْمَنِ أي مما يقدر على إنزاله بكم من عذاب تستحقونه وثانيها من بأس الله في الآخرة وثالثها من القتل والسبي وسائر ما أباحه الله لكفرهم فبين سبحانه أنه لا حافظ لهم ولا دافع عن هذه الأمور لو أنزلها بهم ولولا تفضله بحفظهم لما عاشوا ولما متعوا بالدنيا
المسألة الثانية إنما خص ههنا اسم الرحمن بالذكر تلقيناً للجواب حتى يقول العاقل أنت الكالىء يا إلهنا لكل الخلائق برحمتك كما في قوله مَا غَرَّكَ بِرَبّكَ الْكَرِيمِ ( الانفطار ٦ ) إنما خص اسم الكريم بالذكر تلقيناً للجواب
المسألة الثالثة إنما ذكر الليل والنهار لأن لكل واحد من الوقتين آفات تختص به والمعنى من يحفظكم بالليل إذا نمتم وبالنهار إذا تصرفتم في معايشكم
أما قوله بَلْ هُمْ عَن ذِكْرِ رَبّهِمْ مُّعْرِضُونَ فالمعنى أنه تعالى مع إنعامه عليهم ليلاً ونهاراً بالحفظ والحراسة فهم عن ذكر ربهم الذي هو الدلائل العقلية والنقلية ولطائف القرآن معرضون فلا يتأملون في شيء منها ليعرفوا أنه لا كالىء لهم سواه ويتركون عبادة الأصنام التي لا حظ لها في حفظهم ولا في الإنعام عليهم


الصفحة التالية
Icon