ذلك كان أمراً مقنوطاً منه لصعوبته
المسألة الثانية إن قيل لماذا قال لاكِيدَنَّ أَصْنَامَكُمْ والكيد هو الاحتيال على الغير في ضرر لا يشعر به وذلك لا يتأتى في الأصنام وجوابه قال ذلك توسعاً لما كان عندهم أن الضرر يجوز عليها وقيل المراد لأكيدنكم في أصنامكم لأنه بذلك الفعل قد أنزل بهم الغم
المسألة الثالثة في كيفية أول القصة وجهان أحدهما قال السدي كانوا إذا رجعوا من عيدهم دخلوا على الأصنام فسجدوا لها ثم عادوا إلى منازلهم فلما كان هذا الوقت قال آزر لإبراهيم عليه السلام لو خرجت معنا فخرج معهم فلما كان ببعض الطريق ألقى نفسه وقال إني سقيم أشتكي رجلي فلما مضوا وبقي ضعفاء الناس نادى وقال تَاللَّهِ لاكِيدَنَّ أَصْنَامَكُمْ واحتج هذا القائل بقوله تعالى قَالُواْ سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْراهِيمُ وثانيها قال الكلبي كان إبراهيم عليه السلام من أهل بيت ينظرون في النجوم وكانوا إذا خرجوا إلى عيدهم لم يتركوا إلا مريضاً فلما هم إبراهيم بالذي هم به من كسر الأصنام نظر قبل يوم العيد إلى السماء فقال لأصحابه أراني أشتكي غداً فذلك قوله فَنَظَرَ نَظْرَة ً فِى النُّجُومِ فَقَالَ إِنّى سَقِيمٌ ( الصافات ٨٨ ٨٩ ) وأصبح من الغد معصوباً رأسه فخرج القوم لعيدهم ولم يتخلف أحد غيره فقال أما والله لأكيدن أصنامكم وسمع رجل منهم هذا القول فحفظه عليه ثم إن ذلك الرجل أخبر غيره وانتشر ذلك في جماعة فلذلك قال تعالى قَالُواْ سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ واعلم أن كلا الوجهين ممكن ثم تمام القصة أن إبراهيم عليه السلام لما دخل بيت الأصنام وجد سبعين صنماً مصطفة وثم صنم عظيم مستقبل الباب وكان من ذهب وكان في عينيه جوهرتان تضيئان بالليل فكسرها كلها بفأس في يده حتى لم يبق إلا الكبير ثم علق الفأس في عنقه
أما قوله تعالى فَجَعَلَهُمْ جُذَاذاً إِلاَّ كَبِيراً لَّهُمْ لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعُونَ ففيه مسائل
المسألة الأولى إن قيل لم قال فَجَعَلَهُمْ جُذَاذاً وهذا جمع لا يليق إلا بالناس جوابه من حيث اعتقدوا فيها أنها كالناس في أنها تعظم ويتقرب اليها ولعل كان فيهم من يظن أنها تضر وتنفع
المسألة الثانية قال صاحب ( الكشاف ) جذاذاً قطعاً من الجذ وهو القطع وقرىء بالكسر والفتح وقرىء جذاذاً جمع جذيذ وجذذاً جمع جذة
المسألة الثالثة إن قيل ما معنى إِلاَّ كَبِيراً لَّهُمْ قلنا يحتمل الكبير في الخلقة ويحتمل في التعظيم ويحتمل في الأمرين
وأما قوله لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعُونَ فيحتمل رجوعهم إلى إبراهيم عليه السلام ويحتمل رجوعهم إلى الكبير أما الأول فتقريره من وجهين الأول أن المعنى أنهم لعلهم يرجعون إلى مقالة إبراهيم ويعدلون عن الباطل والثاني أنه غلب على ظنه أنهم لا يرجعون إلا إليه لما تسامعوه من إنكاره لدينهم وسبه لآلهتهم فبكتهم بما أجاب به من قوله بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَاذَا فَاسْئَلُوهُمْ ( الأنبياء ٦٣ ) أما إذا قلنا الضمير راجع إلى الكبير ففيه وجهان الأول أن المعنى لعلهم يرجعون إليه كما يرجع إلى العالم في حل المشكلات فيقولون ما لهؤلاء مكسورة وما لك صحيحاً والفأس على عاتقك وهذا قول الكلبي وإنما قال ذلك بناء على كثرة جهالاتهم


الصفحة التالية
Icon