الراجح على المرجوح وذلك هو العمل بالقياس وهذه النكتة هي التي عليها التعويل في العمل بالقياس وهي قائمة أيضاً في حق الأنبياء عليهم السلام وهذا يتوجه على جواز الاجتهاد من جبريل عليه السلام وثانيها قوله تعالى فَاعْتَبِرُواْ أمر للكل بالإعتبار فوجب اندراج الرسول عليه السلام فيه لأنه إمام المعتبرين وأفضلهم وثالثها أن الإستنباط أرفع درجات العلماء فوجب أن يكون للرسول فيه مدخل وإلا لكان كل واحد من آحاد المجتهدين أفضل منه في هذا الباب فإن قيل هذا إنما يلزم لو لم تكن درجة أعلى من الإعتبار وليس الأمر كذلك لأنه كان يستدرك الأحكام وحياً على سبيل اليقين فكان أرفع درجة من الاجتهاد الذي ليس قصاراه إلا الظن قلنا لا يمتنع أن لا يجد النص في بعض المواضع فلو لم يتمكن من الاجتهاد لكان أقل درجة من المجتهد الذي يمكنه أن يعرف ذلك الحكم من الإجتهاد وأيضاً قد بينا أن الله تعالى لما أمره بالإجتهاد كان ذلك مفيداً للقطع بالحكم ورابعها قال عليه السلام ( العلماء ورثة الأنبياء ) فوجب أن يثبت للأنبياء درجة الإجتهاد ليرث العلماء عنهم ذلك هذا تمام القول في هذه المسألة وخامسها أنه تعالى قال عَفَا اللَّهُ عَنكَ لِمَ أَذِنتَ لَهُمْ فذاك الإذن إن كان بإذن الله تعالى استحال أن يقول لم أذنت لهم وإن كان بهوى النفس فهو غير جائز وإن كان بالاجتهاد فهو المطلوب
المأخذ الثاني قال الجبائي لو جوزنا الاجتهاد من الأنبياء عليهم السلام ففي هذه المسألة يجب أن لا يجوز لوجوه أحدها أن الذي وصل إلى صاحب الزرع من در الماشية ومن منافعها مجهول المقدار فكيف يجوز في الاجتهاد جعل أحدهما عوضاً عن الآخر وثانيها أن اجتهاد داود عليه السلام إن كان صواباً لزم أن لا ينقض لأن الاجتهاد لا ينقض بالاجتهاد وإن كان خطأ وجب أن يبين الله تعالى توبته كسائر ما حكاه عن الأنبياء عليهم السلام فلما مدحهما بقوله وَكُلاًّ ءاتَيْنَا حُكْماً وَعِلْماً دل على أنه لم يقع الخطأ من داود وثالثها لو حكم بالاجتهاد لكان الحاصل هناك ظناً لا علماً لأن الله تعالى قال وَكُلاًّ ءاتَيْنَا حُكْماً وَعِلْماً ورابعها كيف يجوز أن يكون عن اجتهاد من مع قوله فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ والجواب عن الأول أن الجهالة في القدر لا تمنع من الاجتهاد كالجعالات وحكم المصراة وعن الثاني لعله كان خطأ من باب الصغائر وعن الثالث بينا أن من تمسك بالقياس فالظن واقع في طريق إثبات الحكم فأما الحكم فمقطوع به وعن الرابع أنه إذا تأمل واجتهد فأداه اجتهاده إلى ما ذكرنا كان الله تعالى فهمه من حيث بين له طريق ذلك فهذه جملة الكلام في بيان أنه لا يمتنع أن يكون اختلاف داود وسليمان عليهما السلام في ذلك الحكم إنما كان بسبب الاجتهاد وأما بيان أنه لا يمتنع أيضاً أن يكون اختلافهما فيه بسبب النص فطريقه أن يقال إن داود عليه السلام كان مأموراً من قبل الله تعالى في هذه المسألة بالحكم الذي حكم به ثم إنه سبحانه نسخ ذلك بالوحي إلى سليمان عليه السلام خاصة وأمره أن يعرف داود ذلك فصار ذلك الحكم حكمهما جميعاً فقوله فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ أي أوحينا إليه فإن قيل هذا باطل لوجهين الأول لما أنزل الله تعالى الحكم الأول على داود وجب أن ينزل نسخه أيضاً على داود لا على سليمان الثاني أن الله تعالى مدح كلا منهما على الفهم ولو كان ذلك على سبيل النص لم يكن في فهمه كثير مدح إنما المدح الكثير على قوة الخاطر والحذاقة في الاستنباط
المسألة الثالثة إذا أثبتم أنه يجوز أن يكون اختلافهما لأجل النص وأن يكون لأجل الاجتهاد فأي


الصفحة التالية
Icon