القولين أولى والجواب الاجتهاد أرجح لوجوه أحدها أنه روى في الأخبار الكثيرة أن داود عليه السلام لم يكن قد بت الحكم في ذلك حتى سمع من سليمان أن غير ذلك أولى وفي بعضها أن داود عليه السلام ناشده لكي يورد ما عنده وكل ذلك لا يليق بالنص لأنه لو كان نصاً لكان يظهره ولا يكتمه
السؤال الرابع بينوا أنه كيف كان طريق الاجتهاد الجواب أن وجه الاجتهاد فيه ما ذكره ابن عباس رضي الله عنهما من أن داود عليه السلام قوم قدر الضرر بالكرم فكان مساوياً لقيمة الغنم فكان عنده أن الواجب في ذلك الضرر أن يزال بمثله من النفع فلا جرم سلم الغنم إلى المجنى عليه كما قال أبو حنيفة رحمه الله في العبد إذا جنى على النفس يدفعه المولى بذلك أو يفديه وأما سليمان عليه السلام فإن اجتهاده أدى إلى أن يجب مقابلة الأصول بالأصول والزوائد بالزوائد فأما مقابلة الأصول بالزوائد فغير جائز لأنه يقتضي الحيف والجور ولعل منافع الغنم في تلك السنة كانت موازية لمنافع الكرم فحكم به كما قال الشافعي رضي الله عنه فيمن غصب عبداً فأبق من يده أنه يضمن القيمة لينتفع بها المغصوب منه بإزاء ما فوته الغاصب من منافع العبد فإذا ظهر ترادا
السؤال الخامس على تقدير أن ثبت قطعاً أن تلك المخالفة كانت مبنية على الاجتهاد فهل تدل هذه القصة على أن المصيب واحد أو الكل مصيبون الجواب أما القائلون بأن المصيب واحد ففيهم من استدل بقوله تعالى فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ قال ولو كان الكل مصيباً لم يكن لتخصيص سليمان عليه السلام بهذا التفهيم فائدة وأما القائلون بأن الكل مصيبون ففيهم من استدل بقوله وَكُلاًّ ءاتَيْنَا حُكْماً وَعِلْماً ولو كان المصيب واحداً ومخالفه مخطئاً لما صح أن يقال وَكُلاًّ ءاتَيْنَا حُكْماً وَعِلْماً واعلم أن الإستدلالين ضعيفان أما الأول فلأن الله تعالى لم يقل إنه فهمه الصواب فيحتمل أنه فهمه الناسخ ولم يفهم ذلك داود عليه السلام لأنه لم يبلغه وكل واحد منهما مصيب فيما حكم به على أن أكثر ما في الآية أنها دالة على أن داود وسليمان عليهما السلام ما كانامصيبين وذلك لا يوجب أن يكون الأمر كذلك في شرعنا وأما الثاني فلأنه تعالى لم يقل إن كلا آتيناه حكماً وعلماً بما حكم به بل يجوز أن يكون آتيناه حكماً وعلماً بوجوه الاجتهاد وطرق الأحكام على أنه لا يلزم من كون كل مجتهد مصيباً في شرعهم أن يكون الأمر كذلك في شرعنا
السؤال السادس لو وقعت هذه الواقعة في شرعنا ما حكمها الجواب قال الحسن البصري هذه الآية محكمة والقضاة بذلك يقضون إلى يوم القيامة واعلم أن كثيراً من العلماء يزعمون أنه منسوخ بالإجماع ثم اختلفوا في حكمه فقال الشافعي رحمه الله إن كان ذلك بالنهار لا ضمان لأن لصاحب الماشية تسييب ماشيته بالنهار وحفظ الزرع بالنهار على صاحبه وإن كان ليلاً يلزمه الضمان لأن حفظها بالليل عليه وقال أبو حنيفة رحمه الله لا ضمان عليه ليلاً كان أو نهاراً إذا لم يكن متعدياً بالإرسال لقوله ( ﷺ ) ( جرج العجماء جبار ) واحتج الشافعي رحمه الله بما روي عن البراء بن عازب أنه قال ( كانت ناقة ضارية فدخلت حائطاً فأفسدته فذكروا ذلك لرسول الله ( ﷺ ) فقضى أن حفظ الحوائط بالنهار على أهلها وأن حفظ الماشية بالليل على أهلها وأن على أهل الماشية ما أصابت ماشيتهم بالليل ) وهذا تمام القول في هذه الآية ثم إن الله تعالى ذكر بعد ذلك من النعم التي خص بها داود عليه أمرين الأول قوله تعالى وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُودُ الْجِبَالَ يُسَبّحْنَ وَالطَّيْرَ وَكُنَّا فَاعِلِينَ وفيه مسائل


الصفحة التالية
Icon