( التوبة ١٤ ) وقال تعالى لّيُعَذّبَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ ( الأحزاب ٧٣ ) لأنا نقول تخصيص العام لا يقدح فيه وثالثها أنه عليه السلام كان في نهاية حسن الخلق قال تعالى وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ ( القلم ٤ ) وقال أبو هريرة رضي الله عنه ( قيل لرسول الله ( ﷺ ) أدع على المشركين قال إنما بعثت رحمة ولم أبعث عذاباً ) وقال في رواية حذيفة ( إنما أنا بشر أغضب كما يغضب البشر فأيما رجل سببته أو لعنته فاجعلها اللهم عليه صلاة يوم القيامة ) ورابعها قال عبد الرحمن بن زيد إِلاَّ رَحْمَة ً لّلْعَالَمِينَ ( الأنبياء ١٠٧ ) يعني المؤمنين خاصة قال الإمام أبو القاسم الأنصاري والقولان يرجعان إلى معنى واحد لما بينا أنه كان رحمة للكل لو تدبروا في آيات الله وآيات رسوله فأما من أعرض واستكبر فإنما وقع في المحنة من قبل نفسه كما قال وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى ( فصلت ٤٤ )
المسألة الثانية قالت المعتزلة لو كان الله تعالى أراد من الكافرين الكفر ولم يرد منهم القبول من الرسول بل ما أراد منهم إلا الرد عليه وخلق ذلك فيهم ولم يخلقهم إلا كذلك كما يقوله أهل السنة لوجب أن يكون إرساله نقمة وعذاباً عليهم لا رحمة وذلك على خلاف هذا النص لا يقال إن رسالته عليه السلام رحمة للكفار من حيث لم يعجل عذابهم في الدنيا كما عجل عذاب سائر الأمم لأنا نقول إن كونه رحمة للجميع على حد واحد وما ذكرتموه للكفار فهو حاصل للمؤمنين أيضاً فإذا يجب أن يكون رحمة للكافرين من الوجه الذي صار رحمة للمؤمنين وأيضاً فإن الذي ذكروه من نعم الدنيا كانت حاصلة للكفار قبل بعثته ( ﷺ ) كحصولها بعده بل كانت نعمهم في الدنيا قبل بعثته أعظم لأن بعد بعثته نزل بهم الغم والخوف منه ثم أمر بالجهاد الذي فني أكثرهم فيه فلا يجوز أن يكون هذا هو المراد والجواب أن نقول لما علم الله سبحانه وتعالى أن أبا لهب لا يؤمن ألبتة وأخبر عنه أنه لا يؤمن كان أمره إياه بالإيمان أمراً يقلب علمه جهلاً وخبره الصدق كذباً وذلك محال فكان قد أمره بالمحال وإن كانت البعثة مع هذا القول رحمة فلم لا يجوز أن يقال البعثة رحمة مع أنه خلق الكفر في الكافر ولأن قدرة الكافر إن لم تصلح إلا للكفر فقط فالسؤال عليهم لازم وإن كانت صالحة للضدين توقف للترجيح على مرجح من قبل الله تعالى قطعاً للتسلسل وحينئذ يعود الإلزام ثم نقول لم لا يجوز أن يكون رحمة للكافر بمعنى تأخير عذاب الاستئصال عنه قوله أولاً لما كان رحمة للجميع على حد واحد وجب أن يكون رحمة للكفار من الوجه الذي كان رحمة للمؤمنين قلنا ليس في الآية أنه عليه السلام رحمة للكل باعتبار واحد أو باعتبارين مختلفين فدعواك بكون الوجه واحداً تحكم قوله نعم الدنيا كانت حاصلة للكفار من قبل قلنا نعم ولكنه عليه السلام لكونه رحمة للمؤمنين لما بعث حصل الخوف للكفار من نزول العذاب فلما اندفع ذلك عنهم بسبب حضوره كان ذلك رحمة في حق الكفار
المسألة الثالثة تمسكوا بهذه الآية في أنه أفضل من الملائكة قالوا لأن الملائكة من العالمين فوجب بحكم هذه الآية أن يكون عليه السلام رحمة للملائكة فوجب أن يكون أفضل منهم والجواب أنه معارض بقوله تعالى في حق الملائكة وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ ءامَنُواْ ( غافر ٧ ) وذلك رحمة منهم في حق المؤمنين والرسول عليه السلام داخل في المؤمنين وكذا قوله تعالى إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِى ّ ( الأحزاب ٥٦ )


الصفحة التالية
Icon