وتعالى أوجبها على كل المكلفين إلى آخر الدهر أما قوله سُورَة ٌ أَنزَلْنَاهَا وَفَرَضْنَاهَا وَأَنزَلْنَا ففيه وجوه أحدها أنه سبحانه ذكر في أول السورة أنواعاً من الأحكام والحدود وفي آخرها دلائل التوحيد فقوله وَفَرَضْنَاهَا إشارة إلى الأحكام التي بينها أولاً ثم قوله سُورَة ٌ أَنزَلْنَاهَا وَفَرَضْنَاهَا وَأَنزَلْنَا إشارة إلى ما بين من دلائل التوحيد والذي يؤكد هذا التأويل قوله لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ فإن الأحكام والشرائع ما كانت معلومة لهم ليؤمروا بتذكيرها أما دلائل التوحيد فقد كانت كالمعلومة لهم لظهورها فأمروا بتذكيرها وثانيها قال أبو مسلم يجوز أن تكون الآيات البينات ما ذكر فيها من الحدود والشرائع كقوله رَبّ اجْعَل لِّى ءايَة ً قَالَ ءايَتُكَ أَن لا تُكَلّمَ النَّاسَ ثَلَاثَ لَيَالٍ سَوِيّاً ( آل عمران ٤١ ) سأل ربه أن يفرض عليه عملاً وثالثها قال القاضي إن السورة كما اشتملت على عمل الواجبات فقد اشتملت على كثير من المباحثات بأن بينها الله تعالى ولما كان بيانه سبحانه لها مفصلاً وصف الآيات بأنها بينات
أما قوله تعالى لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ فقرىء بتشديد الذال وتخفيفها ومعنى لعل قد تقدم في سورة البقرة قال القاضي لعل بمعنى كي وهذا يدل على أنه سبحانه أراد من جميعهم أن يتذكروا والجواب أنه سبحانه لو أراد ذلك من الكل لما قوى دواعيهم إلى جانب المعصية ولو لم توجد تلك التقوية لزم وقوع الفعل لا لمرجح ولو جاز ذلك لما جاز الاستدلال بالإمكان والحدوث على وجود المرجح ويلزم نفي الصانع وإذا كان كذلك وجب حمل لعل على سائر الوجوه المذكورة في سورة البقرة واعلم أنه سبحانه ذكر في هذه السورة أحكاماً كثيرة
الحكم الأول
الزَّانِيَة ُ وَالزَّانِى فَاجْلِدُواْ كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِاْئَة َ جَلْدَة ٍ وَلاَ تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَة ٌ فِى دِينِ اللَّهِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الاٌّ خِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَآئِفَة ٌ مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ
إعلم أن قوله تعالى الزَّانِيَة ُ وَالزَّانِى رفعهما على الابتداء والخبر محذوف عند الخليل وسيبويه على معنى فيما فرض الله عليكم الزانية والزاني أي فاجلدوهما ويجوز أن يكون الخبر فاجلدوا وإنما دخلت الفاء لكون الألف واللام بمعنى الذي وتضمنه معنى الشرط تقديره التي زنت والذي زنى فاجلدوهما كما تقول من زنا فاجلدوه وقرىء بالنصب على إضمار فعل يفسره الظاهر وقرىء والزان بلا ياء واعلم أن الكلام في هذه الآية على نوعين أحدهما ما يتعلق بالشرعيات والثاني ما يتعلق بالعقليات ونحن نأتي على البابين بقدر الطاقة إن شاء الله تعالى
النوع الأول الشرعيات واعلم أن الزنا حرام وهو من الكبائر ويدل عليه أمور أحدها أن الله تعالى قرنه بالشرك وقتل النفس في قوله تعالى وَالَّذِينَ لاَ يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَاهَا ءاخَرَ وَلاَ يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِى حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقّ وَلاَ يَزْنُونَ وَمَن يَفْعَلْ ( الفرقان ٦٨ ) وقال وَلاَ تَقْرَبُواْ الزّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَة ً وَسَاء سَبِيلاً ( الإسراء ٣٢ ) وثانيها أنه تعالى أوجب المائة فيها بكمالها بخلاف حد القذف وشرب الخمر وشرع


الصفحة التالية
Icon