فلا يضر ولا ينفع وأما المؤمنون فعبادتهم حقيقية ومعبودهم يعطيهم أعظم المنافع وهو الجنة ثم بين كمال الجنة التي تجمع بين الزرع والشجر وأن تجري من تحتها الأنهار وبين تعالى أنه يفعل ما يريد بهم من أنواع الفضل والإحسان زيادة على أجورهم كما قال تعالى فَيُوَفّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَيَزيدُهُمْ مّن فَضْلِهِ واحتج أصحابنا في خلق الأفعال بقوله سبحانه إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ قالوا أجمعنا على أنه سبحانه يريد الإيمان ولفظة ما للعموم فوجب أن يكون فاعلاً للإيمان لقوله إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ أجاب الكعبي عنه بأن الله تعالى يفعل ما يريد أن يفعله لا ما يريد أن يفعله غيره والجواب أن قوله ما يريد أعم من قولنا ما يريد أن يفعله ومن قولنا ما يريد أن يفعله غيره فالتقييد خلاف النص
أما قوله مَن كَانَ يَظُنُّ أَن لَّن يَنصُرَهُ اللَّهُ فِى الدُّنْيَا وَالاْخِرَة ِ فالهاء إلى ماذا يرجع فيه وجهان الأول وهو قول ابن عباس والكلبي ومقاتل والضحاك وقتادة وابن زيد والسدي واختيار الفراء والزجاج أنه يرجع إلى محمد ( ﷺ ) يريد أن من ظن أن لن ينصر الله محمداً ( ﷺ ) في الدنيا بإعلاء كلمته وإظهار دينه وفي الآخرة بإعلاء درجته والانتقام ممن كذبه والرسول ( ﷺ ) وإن لم يجر له ذكر في الآية ففيها ما يدل عليه وهو ذكر الإيمان في قوله إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ ءامَنُواْ والإيمان لا يتم إلا بالله ورسوله فيجب البحث ههنا عن أمرين أحدهما أنه من الذي كان يظن أن الله تعالى لا ينصر محمدًا ( ﷺ ) والثاني أنه ما معنى قوله فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّمَاء ثُمَّ لْيَقْطَعْ
أما البحث الأول فذكروا فيه وجوهاً أحدها كان قوم من المسلمين لشدة غيظهم وحنقهم على المشركين يستبطئون ما وعد الله رسوله من النصر فنزلت هذه الآية وثانيها قال مقاتل نزلت في نفر من أسد وغطفان قالوا نخاف أن الله لا ينصر محمداً فينقطع الذي بيننا وبين حلفائنا من اليهود فلا يميروننا وثالثها أن حساده وأعداءه كانوا يتوقعون أن لا ينصره الله وأن لا يعليه على أعدائه فمتى شاهدوا أن الله نصره غاظهم ذلك
وأما البحث الثاني فاعلم أن في لفظ السبب قولين أحدهما أنه الحبل وهؤلاء اختلفوا في السماء فمنهم من قال هو سماء البيت ومنهم من قال هو السماء في الحقيقة فقالوا المعنى من كان يظن أن لن ينصره الله ثم يغيظه أنه لا يظفر بمطلوبه فليستقص وسعه في إزالة ما يغيظه بأن يفعل ما يفعل من بلغ منه الغيظ كل مبلغ حتى مد حبلاً إلى سماء بيته فاختنق فلينظر أنه إن فعل ذلك هل يذهب نصر الله الذي يغيظه وعلى هذا القول اختلفوا في القطع فقال بعضهم سمى الاختناق قطعاً لأن المختنق يقطع نفسه بحبس مجاريه وسمى فعله كيداً لأنه وضعه موضع الكيد حيث لم يقدر على غيره أو على سبيل الاستهزاء إلا أنه لم يكد به محسوده وإنما كاد به نفسه والمراد ليس في يده إلا ما ليس بمذهب لما يغيظ وهذا قول الكلبي ومقاتل وقال ابن عباس رضي الله عنه يشد الحبل في عنقه وفي سقف البيت ثم ليقطع الحبل حتى يختنق ويهلك هذا كله إذا حملنا السماء على سقف البيت وهو قول كثير من المفسرين وقال آخرون المراد منه نفس السماء فإنه يمكن حمل الكلام على نفس السماء فهو أولى من حمله على سماء البيت لأن ذلك لا يفهم منه إلا مقيداً ولأن الغرض ليس الأمر بأن يفعل ذلك بل الغرض أن يكون ذلك صارفاً له عن الغيظ إلى طاعة الله تعالى وإذا كان كذلك فكل ما كان المذكور أبعد من الإمكان كان أولى بأن يكون هو المراد


الصفحة التالية
Icon