ومعلوم أن نفس ما اكتسبوه لا يكون عقوبة فالمراد لهم جزاء ما اكتسبوه من العقاب في الآخرة والمذمة في الدنيا والمعنى أن قدر العقاب يكون مثل قدر الخوض
أما قوله وَالَّذِى تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ ففيه مسائل
المسألة الأولى قرىء كبره بالضم والكسر وهو عظمه
المسألة الثانية قال الضحاك الذي تولى كبره حسان ومسطح فجلدهما ( ﷺ ) حين أنزل الله عذرها وجلد معهما امرأة من قريش وروي أن عائشة رضي الله عنها ذكرت حساناً وقالت ( أرجو له الجنة فقيل أليس هو الذي تولى كبره فقالت إذا سمعت شعره في مدح الرسول رجوت له الجنة ) وقال عليه الصلاة والسلام ( إن الله يؤيد حساناً بروح القدس في شعره ) وفي رواية أخرى ( وأي عذاب أشد من العمى ) ولعل الله جعل ذلك العذاب العظيم ذهاب بصره والأقرب في الرواية أن المراد به عبدالله بن أبي بن سلول فإنه كان منافقاً يطلب ما يكون قدحاً في الرسول عليه السلام وغيره كان تابعاً له فيما كان يأتي وكان فيهم من لا يتهم بالنفاق
المسألة الثالثة المراد من إضافة الكبر إليه أنه كان مبتدئاً بذلك القول فلا جرم حصل له من العقاب مثل ما حصل لكل من قال ذلك لقوله عليه الصلاة والسلام ( من سن سنة سيئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة ) وقيل سبب تلك الإضافة شدة الرغبة في إشاعة تلك الفاحشة وهو قول أبي مسلم
المسألة الرابعة قال الجبائي قوله تعالى لِكُلّ امْرِىء مّنْهُمْ مَّا اكْتَسَبَ مِنَ الإثْمِ أي عقاب ما اكتسب ولو كانوا لا يستحقون على ذلك عقاباً لما جاز أن يقول تعالى ذلك وفيه دلالة على أن من لم يتب منهم صار إلى العذاب الدائم في الآخرة لأن مع استحقاق العذاب لا يجوز استقاق الثواب والجواب أن الكلام في المحابطة قد مر غير مرة فلا وجه للإعادة والله أعلم
أما سبب النزول فقد روى الزهري عن سعيد بن المسيب وعروة بن الزبير وعلقمة بن أبي وقاص وعبيد الله بن عبدالله بن عقبة بن مسعود كلهم رووا عن عائشة قالت ( كان رسول الله ( ﷺ ) إذا أراد سفراً أقرع بين نسائه فأيتهن خرج اسمها خرج بها معه قالت فأقرع بيننا في غزوة غزاها قبل غزوة بني المصطلق فخرج فيها اسمى فخرجت مع رسول الله ( ﷺ ) وذلك بعد نزول آية الحجاب فحملت في هودج فلما انصرف رسول الله ( ﷺ ) وقرب من المدينة نزل منزلاً ثم أذن بالرحيل فقمت حين أذنوا بالرحيل ومشيت حتى جاوزت الجيش فلما قضيت شأني وأقبلت إلى رحلي فلمست صدري فإذا عقد لي من جزع أظفار قد انقطع فرجعت والتمست عقدي وحبسني طلبه وأقبل الرهط الذين كانوا يرحلونني فحملوا هودجي وهم يحسبون أني فيه لخفتي فإني كنت جارية حديث السن فظنوا أني في الهودج وذهبوا بالبعير فلما رجعت لم أجد في المكان أحداً فجلست وقلت لعلهم يعودون في طلبي فنمت وقد كان صفوان بن المعطل يمكث في العسكر يتتبع أمتعة الناس فيحمله إلى المنزل الآخر لئلا يذهب منهم شيء فلما رآني عرفني وقال ما خلفك عن الناس فأخبرته الخبر فنزل وتنحى حتى ركبت ثم قاد البعير وافتقدني الناس حين نزلوا وماج الناس في ذكرى فبينا الناس كذلك إذ هجمت عليهم فتكلم الناس وخاضوا في حديثي وقدم رسول الله ( ﷺ ) المدينة ولحقني