أحد حتى أنزل الله الوحي على نبيه فأخذه ما كان يأخذه عند نزول الوحي حتى إنه ليتحدر عنه مثل الجمان من العرق في اليوم الشاتي من ثقل الوحي فسجى بثوب ووضعت وسادة تحت رأسه فوالله ما فرغت ولا باليت لعلمي ببراءتي وأما أبواي فوالله ما سرى عن رسول الله ( ﷺ ) حتى ظننت أن نفسي أبوي ستخرجان فرقاً من أن يأتي الله بتحقيق ما قال الناس فلما سرى عنه وهو يضحك فكان أول كلمة تكلم بها أن قال ابشري يا عائشة أما والله لقد برأك الله فقلت بحمد الله لا بحمدك ولا بحمد أصحابك فقالت أمي قومي إليه فقلت والله لا أقوم إليه ولا أحمد أحداً إلا الله أنزل براءتي فأنزل الله تعالى إِنَّ الَّذِينَ جَاءوا بِالإفْكِ عُصْبَة ٌ مّنْكُمْ العشر آيات فقال أبو بكر والله لا أنفق على مسطح بعد هذا وكان ينفق عليه لقرابته منه وفقره فأنزل الله تعالى وَلاَ يَأْتَلِ أُوْلُواْ الْفَضْلِ مِنكُمْ إلى قوله أَلاَ تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ ( النور ٢٢ ) فقال أبو بكر بلى والله إني لأحب أن يغفر الله لي فرجع النفقة على مسطح قالت فلما نزل عذري قام رسول الله ( ﷺ ) على المنبر فذكر ذلك وتلا القرآن فلما نزل ضرب عبدالله بن أبي ومسطحاً وحمنة وحسان الحد )
واعلم أنه سبحانه وتعالى لما ذكر القصة وذكر حال المقذوفين والقاذفين عقبها بما يليق بها من الآداب والزواجر وهي أنواع
النوع الأول
لَّوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنفُسِهِمْ خَيْراً وَقَالُواْ هَاذَآ إِفْكٌ مُّبِينٌ
وهذا من جملة الآداب التي كان يلزمهم الإتيان بها و لَوْلاَ معناه هلا وذلك كثير في اللغة إذا كان يليه الفعل كقوله لَوْلا أَخَّرْتَنِى ( المنافقون ١٠ ) وقوله فَلَوْلاَ كَانَتْ قَرْيَة ٌ ءامَنَتْ ( يونس ٩٨ ) فأما إذا وليه الاسم فليس كذلك كقوله لَوْلاَ أَنتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ ( سبأ ٣١ ) وقوله وَلَوْلاَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ ( انور ١٠ ) والمراد كان الواجب على المؤمنين إذ سمعوا قول القاذف أن يكذبوه ويشتغلوا بإحسان الظن ولا يسرعوا إلى التهمة فيمن عرفوا فيه الطهارة وههنا سؤالات
السؤال الأول هلا قيل لولا إذ سمعتموه ظننتم بأنفسكم خيراً وقلتم فلم عدل عن الخطاب إلى الغيبة وعن المضمر إلى الظاهر الجواب ليبالغ في التوبيخ بطريقة الالتفات وفي التصريح بلفظ الإيمان دلالة على أن الاشتراك فيه يقتضي أن لا يظن بالمسلمين إلا خيراً لأن دينه يحكم بكون المعصية منشأ للضرر وعقله يهديه إلى وجوب الاحتراز عن الضرر وهذا يوجب حصول الظن باحترازه عن المعصية فإذا وجد هذا المقتضى للاحتراز ولم يوجد في مقابلته راجح يساويه في القوة وجب إحسان الظن وحرم الإقدام على الطعن
السؤال الثاني ما المراد من قوله بأنفسهم الجواب فيه وجهان الأول المراد أن يظن بعضهم ببعض خيراً ونظيره قوله وَلاَ تَلْمِزُواْ أَنفُسَكُمْ ( الحجرات ١١ ) وقوله فَاقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ ( البقرة ٥٤ ) وقوله فَإِذَا دَخَلْتُمْ بُيُوتاً فَسَلّمُواْ عَلَى أَنفُسِكُمْ ( النور ٦١ ) ومعناه أي بأمثالكم من المؤمنين الذين هم كأنفسكم