أحدها أنه لو كان ذلك واجباً لورد النقل بفعله من النبي ( ﷺ ) ومن السلف مستفيضاً شائعاً لعموم الحاجة إليه فلما وجدنا عصر النبي ( ﷺ ) وسائر الأعضاء بعده قد كان في الناس أيامى من الرجال والنساء فلم ينكروا عدم تزويجهن ثبت أنه ما أريد به الإيجاب وثانيها أجمعنا على أن الأيم الثيب لو أبت التزوج لم يكن للولي إجبارها عليه وثالثها اتفاق الكل على أنه لا يجبر على تزويج عبده وأمته وهو معطوف على الأيامى فدل على أنه غير واجب في الجميع بل ندب في الجميع ورابعها أن اسم الأيامى ينتظم فيه الرجال والنساء وهو في الرجال ما أريد به الأولياء دون غيرهم كذلك في النساء والجواب أن جميع ما ذكرته تخصيصات تطرقت إلى الآية والعام بعد التخصيص يبقى حجة فوجب أن يبقى حجة فيما إذا التمست المرأة الأيم من الولي التزويج وجب وحينئذ ينتظم وجه الكلام
المسألة الثالثة قال الشافعي رحمه الله الآية تقتضي جواز تزويج البكر البالغة بدون رضاها لأن الآية والحديث يدلان على أمر الولي يتزويجها ولولا قيام الدلالة على أنه لا يزوج الثيب الكبيرة بغير رضاها لكان جائزاً له تزويجها أيضاً بغير رضاها لعموم الآية قال أبو بكر الرازي قوله تعالى وَأَنْكِحُواْ الايَامَى لا يختص بالنساء دون الرجال على ما بينا فلما كان الاسم شاملاً للرجال والنساء وقد أضمر في الرجال تزويجهم بإذنهم فوجب استعمال ذلك الضمير في النساء وأيضاً فقد أمر النبي ( ﷺ ) باستئمار البكر بقوله ( البكر تستأمر في نفسها وإذنها صماتها ) وذلك أمر وإن كان في صورة الخبر فثبت أنه لا يجوز تزويجها إلا بإذنها والجواب أما الأول فهو تخصيص للنص وهو لا يقدح في كونه حجة والفرق أن الأيم من الرجال يتولى أمر نفسه فلا يجب على الولي تعهده أمره بخلاف المرأة فإن احتياجها إلى من يصلح أمرها في التزويج أظهر وأيضاً فلفظ الأيامى وإن تناول الرجال والنساء فإذا أطلق لم يتناول إلا النساء وإنما يتناول الرجال إذا قيد وأما الثاني ففي تخصيص الآية بخبر الواحد كلام مشهور
المسألة الرابعة قال أبو حنيفة رحمه الله العم والأخ يليان تزويج البنت الصغيرة ووجه الاستدلال بالآية كما تقدم
المسألة الخامسة قال الشافعي رحمه الله الناس في النكاح قسمان منهم من تتوق نفسه في النكاح فيستحب له أن ينكح إن وجد أهبة النكاح سواء كان مقبلاً على العبادة أو لم يكن كذلك ولكن لا يجب أن ينكح وإن لم يجد أهبة النكاح يكسر شهوته لما روى عبدالله بن مسعود رضي الله عنهما قال قال رسول الله ( ﷺ ) ( يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإن الصوم له وجاء أما الذي لا تتوق نفسه إلى النكاح فإن كان ذلك لعلة به من كبر أو مرض أو عجز يكره له أن ينكح لأنه يلتزم ما لا يمكنه القيام بحقه وكذلك إذا كان لا يقدر على النفقة وإن لم يكن به عجز وكان قادراً على القيام بحقه لم يكره له النكاح لكن الأفضل أن يتخلى لعبادة الله تعالى وقال أبو حنيفة رحمه الله النكاح أفضل من التخلي للعبادة وحجة الشافعي رحمه الله وجوه أحدها قوله تعالى وَسَيّدًا وَحَصُورًا وَنَبِيّا مّنَ الصَّالِحِينَ ( آل عمران ٣٩ ) مدح يحيى عليه السلام بكونه حصوراً والحصور الذي لا يأتي النساء مع القدرة عليهن ولا يقال هو الذي لا يأتي النساء مع العجز عنهن لأن مدح الإنسان بما يكون عيباً غير جائز وإذا ثبت أنه مدح في حق يحيى وجب أن يكون مشروعاً