اعلم أنه تعالى لما بين ما يلزم من تزويج العبيد والإماء وكتابتهم أتبع ذلك بالمنع من إكراه الإماء على الفجور وههنا مسائل
المسألة الأولى اختلفوا في سبب نزولها على وجوه الأول كان لعبد الله بن أبي المنافق ست جوار معاذة ومسيكة وأميمة وعمرة وأروى وقتيلة يكرههن على البغاء وضرب عليهن ضرائب فشكت ( ا ) ثنتان منهن إلى رسول الله ( ﷺ ) فنزلت الآية وثانيها أن عبد الله بن أبي أسر رجلاً فراود الأسير جارية عبدالله وكانت الجارية مسلمة فامتنعت الجارية لإسلامها وأكرهها ابن أبي على ذلك رجاء أن تحمل من الأسير فيطلب فداء ولده فنزلت وثالثها روى أبو صالح عن ابن عباس رضي الله عنهما قال ( جاء عبدالله بن أبي إلى رسول الله ( ﷺ ) ومعه جارية من أجمل النساء تسمى معاذة فقال يا رسول الله هذه لأيتام فلان أفلا نأمرها بالزنا فيصيبون من منافعها فقال عليه الصلاة والسلام لا فأعاد الكلام ) فنزلت الآية وقال جابر بن عبدالله ( جاءت جارية لبعض الناس فقالت إن سيدي يكرهني على البغاء ) فنزلت الآية
المسألة الثانية الإكراه إنما يحصل متى حصل التخويف بما يقتضي تلف النفس فأما باليسير من الخوف فلا تصير مكرهة فحال الإكراه على الزنا كحال الإكراه على كلمة الكفر والنص وإن كان مختصاً بالإماء إلا أن حال الحرائر كذلك
المسألة الثالثة العرب تقول للمملوك فتى وللمملوكة فتاة قال تعالى فَلَمَّا جَاوَزَا قَالَ لِفَتَاهُ ( الكهف ٦٢ ) وقال تُرَاوِدُ فَتَاهَا ( يوسف ٣٠ ) وقال فَمِنْ مَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُم مّن نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ( النساء ٢٥ ) وفي الحديث ( ليقل أحدكم فتاي وفتاتي ولا يقل عبدي وأمتي )
المسألة الرابعة البغاء الزنا يقال بغت تبغي بغاء فهي بغي
المسألة الخامسة الذي نقول به أن المعلق بكلمة إن على الشيء عدم عند عدم ذلك الشيء والدليل عليه اتفاق أهل اللغة على أن كلمة إن للشرط واتفاقهم على أن الشرط ما ينتفي الحكم عند انتفائه ومجموع هاتين المقدمتين النقليتين يوجب الحكم بأن المعلق بكلمة إن على الشيء عدم عند عدم ذلك الشيء واحتج المخالف بهذه الآية فقال إنه سبحانه علق المنع من الإكراه على البغاء على إرادة التحصن بكلمة إن فلو كان الأمر كما ذكرتموه لزم أن لا ينتفي المنع من الإكراه على الزنا إذا لم توجد إرادة التحصن وذلك باطل فإنه سواء وجدت إدارة التحصن أو لم توجد فإن المنع من الإكراه على الزنا حاصل والجواب لا نزاع أن ظاهر الآية يقتضي جواز الإكراه على الزنا عند عدم إرادة التحصن ولكنه فسد ذلك لامتناعه في نفسه لأنه متى لم توجد إرادة التحصن في حقها لم تكن كارهة للزنا وحال كونها غير كارهة للزنا يمتنع إكراهها على الزنا فامتنع ذلك لامتناعه في نفسه وذاته ومن الناس من ذكر فيه جواباً آخر وهو أن غالب الحال أن الإكراه لا يحصل إلا عند إرادة التحصن والكلام الوارد على سبيل الغالب لا يكون له مفهوم الخطاب كما أن الخلع يجوز في غير حالة الشقاق ولكن لما كان الغالب وقوع الخلع في حالة الشقاق لا جرم لم يكن لقوله تعالى فَإِنْ خِفْتُمْ أَن لا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ مفهوم ومن هذا القبيل قوله وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِى الاْرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَقْصُرُواْ مِنَ الصَّلواة ِ إِنْ خِفْتُمْ أَن يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُواْ


الصفحة التالية
Icon