أما قوله تعالى لَّلَجُّواْ فِى طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ فالمعنى لتمادوا في ضلالهم وهم متحيرون
وَلَقَدْ أَخَذْنَاهُمْ بِالْعَذَابِ فَمَا اسْتَكَانُواْ لِرَبِّهِمْ وَمَا يَتَضَرَّعُونَ حَتَّى إِذَا فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَاباً ذَا عَذَابٍ شَدِيدٍ إِذَا هُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ وَهُوَ الَّذِى أَنْشَأَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالاٌّ بْصَارَ وَالاٌّ فْئِدَة َ قَلِيلاً مَّا تَشْكُرُونَ وَهُوَ الَّذِى ذَرَأَكُمْ فِى الأرض وَإِلَيْهِ تُحْشَرُونَ وَهُوَ الَّذِى يُحَاى ِ وَيُمِيتُ وَلَهُ اخْتِلَافُ الَّيْلِ وَالنَّهَارِ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ
اختلفوا في قوله وَلَقَدْ أَخَذْنَاهُمْ بِالْعَذَابِ على وجوه أحدها أنه لما أسلم ثمامة بن أثال الحنفي ولحق باليمامة منغ الميرة عن أهل مكة فأخذهم الله بالسنين حتى أكلوا الجلود والجيف فجاء أبو سفيان إلى رسول الله ( ﷺ ) وقال ألست تزعم أنك بعثت رحمة العالمين ثم قتلت الآباء بالسيف والأبناء بالجوع فادع الله يكشف عنا هذا القحط فدعا فكشف عنهم فأنزل الله هذه الآية والمعنى أخذناهم بالجوع فما أطاعوا وثانيها هو الذي نالهم يوم بدر من القتل والأسر يعني أن ذلك مع شدته ما دعاهم إلى الإيمان عن الأصم وثالثها المراد من عذب من الأمم الخوالي فَمَا اسْتَكَانُواْ أي مشركي العرب لربهم عن الحسن ورابعها أن شدة الدنيا أقرب إلى المكلف من شدة الآخرة فإذا لم تؤثر فيهم شدة الدنيا فشدة الآخرة كذلك وهذا يدل على أنهم لَوْ رُدُّواْ لَعَادُواْ لِمَا نُهُواْ عَنْهُ ( الأنعام ٢٨ )
أما قوله تعالى حَتَّى إِذَا فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَاباً ذَا عَذَابٍ شَدِيدٍ ففيه وجهان أحدهما حتى إذا فتحنا عليهم باب الجوع الذي هو أشد من القتل والأسر والثاني إذا عذبوا بنار جهنم فحينئذ يبلسون كقوله وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَة ُ يُبْلِسُ الْمُجْرِمُونَ لاَ يُفَتَّرُ عَنْهُمْ وَهُمْ مُّبْلِسُونَ والإبلاس اليأس من كل خير وقيل السكون مع التحسير وههنا سؤالات
السؤال الأول ما وزن استكان الجواب استفعل من السكون أي انتقل من كون إلى كون كما قيل استحال إذا انتقل من حال إلى حال ويجوز أن يكون افتعل من السكون أشبعت فتحة عينه
السؤال الثاني لم جاء اسْتَكَانُواْ بلفظ الماضي و يَتَضَرَّعُونَ بلفظ المستقبل الجواب لأن المعنى امتحناهم فما وجدنا منهم عقيب المحنة استكانة وما من عادة هؤلاء أن يتضرعوا حتى يفتح عليهم باب العذاب الشديد وقرىء فتحنا
السؤال الثالث العطف لا يحسن إلا مع المجانسة فأي مناسبة بين قوله وَهُوَ الَّذِى أَنْشَأَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالاْبْصَارَ وبين ما قبله الجواب كأنه سبحانه لما بين مبالغة أولئك الكفار في الأعراض عن سماع الأدلة


الصفحة التالية
Icon