عادته بحصول تأثيرات مخصوصة عقيب اتصالات الكواكب وقراناتها وأدوارها لم يلزم من حصول هذه الآثار القطع بأن الله تعالى إنما خلقها لأجل زجر الكفار بل لعله تعالى خلقها تكريراً لتلك العادات والله أعلم
القول فيما ذكره الله تعالى من أحوال محمد عليه الصلاة والسلام
وَإِنَّهُ لَتَنزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الاٌّ مِينُ عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ بِلِسَانٍ عَرَبِى ٍّ مُّبِينٍ وَإِنَّهُ لَفِى زُبُرِ الاٌّ وَّلِينَ
اعلم أن الله تعالى لما ختم مااقتصه من خبر الأنبياء ذكر بعد ذلك ما يدل على نبوته ( ﷺ ) وهو من وجهين الأول قوله وَإِنَّهُ لَتَنزِيلُ رَبّ الْعَالَمِينَ وذلك لأنه لفصاحته معجز فيكون ذلك من رب العالمين أو لأنه إخبار عن القصص الماضية من غير تعليم ألبتة فلا يكون ذلك إلا بوحي من الله تعالى وقوله بعده وَأَنَّهُ لَفِى زُبُرِ الاْوَّلِينَ كأنه مؤكد لهذا الاحتمال وذلك لأنه عليه السلام لما ذكر هذه القصص السبع على ما هي موجودة في زبر الأولين من غير تفاوت أصلاً مع أنه لم يشتغل بالتعلم والاستعداد دل ذلك على أنه ليس إلا من عند الله تعالى فهذا هو المقصود من الآية
فأما قوله تعالى وَإِنَّهُ لَتَنزِيلُ رَبّ الْعَالَمِينَ فالمراد بالتنزيل المنزل ثم قد كان يجوز في القرآن وهذه القصص أن يكون تنزيلاً من الله تعالى إلى محمد ( ﷺ ) بلا واسطة فقال نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الاْمِينُ والباء في قوله نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ و نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ على القراءتين للتعدية ومعنى نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ جعل الله الروح نازلاً به عَلَى قَلْبِكَ ( حفظكه و ) أي فهمك إياه وأثبته في قلبك إثبات ما لا ينسى كقوله تعالى سَنُقْرِئُكَ فَلاَ تَنسَى ( الأعلى ٦ ) والروح الأمين جبريل عليه السلام وسماه روحاً من حيث خلق من الروح وقيل لأنه نجاة الخلق في باب الدين فهو كالروح الذي تثبت معه الحياة وقيل لأنه روح كله لا كالناس الذين في أبدانهم روح وسماه أميناً لأنه مؤتمن على ما يؤديه إلى الأنبياء عليهم السلام وإلى غيرهم
وأما قوله عَلَى قَلْبِكَ ففيه قولان الأول أنه إنما قال عَلَى قَلْبِكَ وإن كان إنما أنزله عليه ليؤكد به أن ذلك المنزل محفوظ للرسول متمكن في قلبه لا يجوز عليه التغيير فيوثق بالإنذار الواقع منه الذي بين الله تعالى أنه هو المقصود ولذلك قال لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ الثاني أن القلب هو المخاطب في الحقيقة لأنه موضع التمييز والاختبار وأما سائر الأعضاء فمسخرة له والدليل عليه القرآن والحديث والمعقول أما القرآن فآيات إحداها قوله تعالى في سورة البقرة ( ٩٧ ) فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ وقال ههنا نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الاْمِينُ عَلَى قَلْبِكَ وقال إِنَّ فِى ذالِكَ لَذِكْرَى لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ ( ق ٣٧ ) وثانيها أنه ذكر أن استحقاق الجزاء ليس إلا على ما في القلب من المساعي فقال لاَّ يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِالَّلغْوِ فِى أَيْمَانِكُمْ وَلَاكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ ( البقرة ٢٢٥ ) وقال لَن يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلاَ دِمَاؤُهَا وَلَاكِن يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنكُمْ ( الحج ٣٧ ) والتقوى في القلب لأنه تعالى قال أُوْلَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى ( الحجرات ٣ ) وقال تعالى وَحُصّلَ مَا فِى الصُّدُورِ


الصفحة التالية
Icon