هو الكلام في هذا الباب والله الموفق للصواب
وأما قوله تعالى لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ فيدخل تحت الإنذار الدعاء إلى كل واجب من علم وعمل والمنع من كل قبيح لأن في الوجهين جميعاً يدخل الخوف من العقاب
وأما قوله تعالى بِلِسَانٍ عَرَبِى ّ مُّبِينٍ فالباء إما أن تتعلق بالمنذرين فيكون المعنى لتكون من الذين أنذروا بهذا اللسان وهم خمسة هود وصالح وشعيب وإسماعيل ومحمد عليهم السلام وإما أن تتعلق بنزل فيكون المعنى نزله باللسان العربي لينذر به لأنه لو نزله باللسان الأعجمي ( لتجافوا عنه أهلاً و ) لقالوا له ما نصنع بما لا نفهمه فيتعذر الإنذار به وفي هذا الوجه أن تنزيله بالعربية التي هي لسانك ولسان قومك تنزيل له على قلبك لأنك تفهمه ويفهمه قومك ولو كان أعجمياً لكان نازلاً على سمعك دون قلبك لأنك تسمع أجراس حروف لا تفهم معانيها
وأما قوله تعالى وَإِنَّهُ لَفِى زُبُرِ الاْوَّلِينَ فيحتمل هذه الأخبار خاصة ويحتمل أن يكون المراد صفة القرآن ويحتمل صفة محمد ( ﷺ ) ويحتمل أن يكون المراد وجوه التخويف لأن ذكر هذه الأشياء بأسرها قد تقدم
أَوَ لَمْ يَكُن لَّهُمْ ءَايَة ً أَن يَعْلَمَهُ عُلَمَاءُ بَنِى إِسْرَاءِيلَ وَلَوْ نَزَّلْنَاهُ عَلَى بَعْضِ الاٌّ عْجَمِينَ فَقَرَأَهُ عَلَيْهِم مَّا كَانُوا بِهِ مُؤْمِنِينَ كَذَلِكَ سَلَكْنَاهُ فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِهِ حَتَّى يَرَوُاْ الْعَذَابَ الاٌّ لِيمَ فَيَأْتِيَهُم بَغْتَة ً وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ
اعلم أن قوله تعالى أَوَ لَمْ يَكُن لَّهُمْ ءايَة ً أَن يَعْلَمَهُ عُلَمَاء بَنِى إِسْراءيلَ المراد منه ذكر الحجة الثانية على نبوته عليه السلام وصدقه وتقريره أن جماعة من علماء بني إسرائيل أسلموا ونصوا على مواضع في التوراة والإنجيل ذكر فيها الرسول عليه الصلاة والسلام بصفته ونعته وقد كان مشركو قريش يذهبون إلى اليهود ويتعرفون منهم هذا الخبر وهذا يدل دلالة ظاهرة على نبوته لأن تطابق الكتب الإلهية على نعته ووصفه يدل قطعاً على نبوته واعلم أنه قرىء يَكُنِ بالتذكير وآية النصب على أنها خبره و ( أن يعلمه ) هو الاسم وقرىء تَكُنْ بالتأنيث وجعلت ( آية ) اسماً و ( أن يعلمه ) خبراً وليست كالأولى لوقوع النكرة اسماً والمعرفة خبراً ويجوز مع نصب الآية تأنيث ( يكن ) كقوله ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلاَّ أَن قَالُواْ ( الأنعام ٢٣ )
وأما قوله وَلَوْ نَزَّلْنَاهُ عَلَى بَعْضِ الاْعْجَمِينَ فاعلم أنه تعالى لما بين بالدليلين المذكورين نبوة محمد ( ﷺ ) وصدق لهجته بين بعد ذلك أن هؤلاء الكفار لا تنفعهم الدلائل ولا البراهين فقال وَلَوْ نَزَّلْنَاهُ عَلَى بَعْضِ الاْعْجَمِينَ يعني إنا أنزلنا هذا القرآن على رجل عربي بلسان عربي مبين فسمعوه وفهموه وعرفوا


الصفحة التالية
Icon