وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى الْقُرْءَانَ مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ إِذْ قَالَ مُوسَى لاًّهْلِهِ إِنِّى آنَسْتُ نَاراً سَأاتِيكُمْ مِّنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ ءَاتِيكُمْ بِشِهَابٍ قَبَسٍ لَّعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ فَلَمَّا جَآءَهَا نُودِى َ أَن بُورِكَ مَن فِى النَّارِ وَمَنْ حَوْلَهَا وَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ يامُوسَى إِنَّهُ أَنَا اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ
أما قوله وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى الْقُرْءانَ مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ فمعناه لتؤتاه ( وتلقاه ) من عند أي حكيم وأي عليم وهذا معنى مجيئهما نكرتين وهذه الآية بساط وتمهيد لما يريد أن يسوق بعدها من الأقاصيص و ( إذ ) منصوب بمضمر وهو اذكر كأنه قال على أثر ذلك خذ من آثار حكمته وعلمه قصة موسى ويجوز أن ينتصب بعليم فإن قيل الحكمة أما أن تكون نفس العلم والعلم إما أن يكون داخلاً فيها فلما ذكر الحكمة فلم ذكر العلم جوابه الحكمة هي العلم بالأمور العملية فقط والعلم أعم منه لأن العلم قد يكون عملياً وقد يكون نظرياً والعلوم النظرية أشرف من العلوم العملية فذكر الحكمة المشتملة على العلوم العملية ثم ذكر العليم وهو البالغ في كمال العلم وكمال العلم يحصل من جهات ثلاثة وحدته وعموم تعلقه بكل المعلومات وبقاؤه مصوناً عن كل التغيرات وما حصلت هذه الكمالات الثلاثة إلا في علمه سبحانه وتعالى
واعلم أن الله تعالى ذكر في هذه السورة أنواعاً من القصص
القصة الأولى قصة موسى عليه الصلاة والسلام
أما قوله إِذْ قَالَ مُوسَى لاِهْلِهِ فيدل على أنه لم يكن مع موسى عليه السلام غير امرأته ابنة شعيب عليه السلام وقد كنى الله تعالى عنها بالأهل فتبع ذلك ورود الخطاب على لفظ الجمع وهو قوله امْكُثُواْ ( القصص ٢٩ )
أما قوله إِنّى آنَسْتُ نَاراً فالمعنى أنهما كانا يسيران ليلاً وقد اشتبه الطريق عليهما والوقت وقت برد وفي مثل هذا الحال تقوى النفس بمشاهدة نار من بعد لما يرجى فيها من زوال الحيرة في أمر الطريق ومن الانتفاع بالنار للاصطلاء فلذلك بشرها فقال إِنّى آنَسْتُ نَاراً وقد اختلفوا فقال بعضهم المراد أبصرت ورأيت وقال آخرون بل المراد صادفت ووجدت فآنست به والأول أقرب لأنهم لا يفرقون بين قول القائل آنست ببصري ورأيت ببصري
أما قوله إِذْ قَالَ مُوسَى فالخبر ما يخبر به عن حال الطريق لأنه كان قد ضل ثم في الكلام حذف وهو أنه لما أبصر النار توجه إليها وقال إِذْ قَالَ مُوسَى يعرف به الطريق