أما قوله تعالى عِلْمًا فالمراد طائفة من العلم أو علماً سنياً ( عزيزاً ) فإن قيل أليس هذا موضع الفاء دون الواو كقولك أعطيته فشكر ( ومنعته ) ( ١ ) فصبر جوابه أن الشكر باللسان إنما يحسن موقعه إذا كان مسبوقاً بعمل القلب وهو العزم على فعل الطاعة وترك المعصية وبعمل الجوارح وهو الاشتغال بالطاعات ولما كان الشكر باللسان يجب كونه مسبوقاً بهما فلا جرم صار كأنه قال ولقد آتيناهما علماً فعملا به قلباً وقالباً وقالا باللسان الحمد لله الذي فعل كذا وكذا
وأما قوله تعالى الْحَمْدُ اللَّهِ الَّذِى فَضَّلَنَا عَلَى كَثِيرٍ مّنْ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ ففيها أبحاث
أحدها أن الكثير المفضل عليه هو من لم يؤت علماً أو من لم يؤت مثل علمهما وفيه أنهما فضلا على كثير وفضل عليهما كثير وثانيها في الآية دليل على علو مرتبة العلم لأنهما أوتيا من الملك ما لم يؤت غيرهما فلم يكن شكرهما على الملك كشكرهما على العلم وثالثها أنهم لم يفضلوا أنفسهم على الكل وذلك يدل على حسن التواضع ورابعها أن الظاهر يقتضي أن تلك الفضيلة ليست إلا ذلك العلم ثم العلم بالله وبصفاته أشرف من غيره فوجب أن يكون هذا الشكر ليس إلا على هذا العلم ثم إن هذا العلم حاصل لجميع المؤمنين فيستحيل أن يكون ذلك سبباً لفضيلتهم على المؤمنين فإذن الفضيلة هو أن يصير العلم بالله وبصفاته جلياً بحيث يصير المرء مستغرقاً فيه بحيث لا يخطر بباله شيء من الشبهات ولا يغفل القلب عنه في حين من الأحيان ولا ساعة من الساعات


الصفحة التالية
Icon