لأن الإنسان ما دام يطمع في أحد أن يأخذ منه شيئاً فإنه لا يقوى قلبه على إظهار مخالفته فإذا قطع طمعه عنه قوي قلبه على إظهار مخالفته فالله سبحانه وتعالى قطع محمداً ( ﷺ ) عنهم بأن بين له أنهم كالموتى وكالصم وكالعمى فلا يفهمون ولا يسمعون ولا يبصرون ولا يلتفتون إلى شيء من الدلائل وهذا سبب لقوة قلبه عليه الصلاة والسلام على إظهار الدين كما ينبغي فإن قيل ما معنى قوله إِذَا وَلَّوْاْ مُدْبِرِينَ جوابه هو تأكيد لحال الأصم لأنه إذا تباعد عن الداعي بأن تولى عنه مدبراً كان أبعد عن إدراك صوته
أما قوله تعالى وَمَا أَنتَ بِهَادِى الْعُمْى ِ عَن ضَلَالَتِهِمْ فالمعنى ما يجدي إسماعك إلا الذين علم الله أنهم يؤمنون بآياته أي يصدقون بها فهم مسلمون أي مخلصون من قوله بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ ( البقرة ١١٢ ) يعني جعله سالماً لله تعالى خالصاً له والله أعلم
وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِم أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَآبَّة ً مِّنَ الأرض تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ كَانُوا بِأايَاتِنَا لاَ يُوقِنُونَ وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِن كُلِّ أُمَّة ٍ فَوْجاً مِّمَّن يُكَذِّبُ بِأايَاتِنَا فَهُمْ يُوزَعُونَ حَتَّى إِذَا جَآءُوا قَالَ أَكَذَّبْتُم بِأايَاتِى وَلَمْ تُحِيطُواْ بِهَا عِلْماً أَمَّا ذَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ وَوَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِم بِمَا ظَلَمُواْ فَهُمْ لاَ يَنطِقُونَ أَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّا جَعَلْنَا الَّيْلَ لِيَسْكُنُواْ فِيهِ وَالنَّهَارَ مُبْصِراً إِنَّ فِى ذَلِكَ لاّيَاتٍ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ
اعلم أن الله تعالى بين بالدلائل القاهرة كمال القدرة وكمال العلم ثم فرع عليهما القول بإمكان الحشر ثم بين الوجه في كون القرآن معجزاً ثم فرع عليه نبوة محمد ( ﷺ ) ثم تكلم الآن في مقدمات قيام القيامة وإنما أخر تعالى الكلام في هذا الباب عن إثبات النبوة لما أن هذه الاْشياء لا يمكن معرفتها إلا بقول النبي الصادق وهذا هو النهاية في جودة الترتيب واعلم أنه تعالى ذكر تارة ما يكون كالعلامة لقيام القيامة وتارة الأمور التي تقع عند قيام القيامة فذكر أولاً من علامات القيامة دابة الأرض والناس تكلموا فيها من وجوه أحدها في مقدار جسمها وفي الحديث أن طولها ستون ذراعاً وروي أيضاً أن رأسها تبلغ السحاب وعن أبي هريرة ما بين قرنيها فرسخ للراكب وثانيها في كيفية خلقتها فروي أن لها أربع قوائم وزغب وريش وجناحان وعن ابن جريج في وصفها رأس ثور وعين خنزير وأذن فيل وقرن إيَّل وصدر أسد ولون نمر وخاصرة ( بقرة ) وذنب كبش وخف بعير وثالثها في كيفية خروجها عن علي عليه السلام أنه تخرج ثلاثة أيام والناس ينظرون فلا يخرج إلا ثلثها وعن الحسن لا يتم خروجها إلا بعد ثلاثة أيام ورابعها في موضع خروجها ( سئل النبي ( ﷺ ) من أين تخرج الدابة فقال من أعظم المساجد حرمة على الله تعالى المسجد


الصفحة التالية
Icon