الأولى تأخير قتلهم إلى زمان آخر فلما قتل فقد ترك ذلك المندوب فقوله هَاذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ معناه إقدامي على ترك المندوب من عمل الشيطان وثانيها أن قوله ( هذا ) إشارة إلى عمل المقتول لا إلى عمل نفسه فقوله هَاذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ أي عمل هذا المقتول من عمل الشيطان المراد منه بيان كونه مخالفاً لله تعالى مستحقاً للقتل وثالثها أن يكون قوله ( هذا ) إشارة إلى المقتول يعني أنه من جند الشيطان وحزبه يقال فلان من عمل الشيطان أي من أحزابه
أما قوله رَبّ إِنّى ظَلَمْتُ نَفْسِى فَاغْفِرْ لِى فعلى نهج قول آدم عليه السلام رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا ( الأعراف ٢٣ ) والمراد أحد وجهين إما على سبيل الانقطاع إلى الله تعالى والاعتراف بالتقصير عن القيام بحقوقه وإن لم يكن هناك ذنب قط أو من حيث حرم نفسه الثواب بترك المندوب
أما قوله فَاغْفِرْ لِى أي فاغفر لي ترك هذا المندوب وفيه وجه آخر وهو أن يكون المراد رب إني ظلمت نفسي حيث قتلت هذا الملعون فإن فرعون لو عرف ذلك لقتلني به فَاغْفِرْ لِى أي فاستره علي ولا توصل خبره إلى فرعون فَغَفَرَ لَهُ أي ستره عن الوصول إلى فرعون ويدل على هذا التأويل أنه على عقبه قال رَبّ بِمَا أَنْعَمْتَ عَلَى َّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيراً لّلْمُجْرِمِينَ ولو كانت إعانة المؤمن ههنا سبباً للمعصية لما قال ذلك
وأما قوله فَعَلْتُهَا إِذاً وَأَنَاْ مِنَ الضَّالّينَ فلم يقل إني صرت بذلك ضالاً ولكن فرعون لما ادعى أنه كان كافراً في حال القتل نفى عن نفسه كونه كافراً في ذلك الوقت واعترف بأنه كان ضالاً أي متحيراً لا يدري ما يجب عليه أن يفعله وما يدبر به في ذلك أما قوله إن كان كافراً حربياً فلم استغفر عن قتله قلنا كون الكافر مباح الدم أمر يختلف باختلاف الشرائع فلعل قتلهم كان حراماً في ذلك الوقت أو إن كان مباحاً لكن الأولى تركه على ما قررنا قوله ذلك القتل كان قتل خطأ قلنا لا نسلم فلعل الرجل كان ضعيفاً وموسى عليه السلام كان في نهاية الشدة فوكزه كان قاتلاً قطعاً ثم إن سلمنا ذلك ولكن لعله عليه السلام كان يمكنه أن يخلص الإسرائيلي من يده بدون ذلك الوكز الذي كان الأولى تركه فلهذا أقدم على الاستغفار على أنا وإن سلمنا دلالة هذه الآية على صدور المعصية لكنا بينا أنه لا دليل ألبتة على أنه كان رسولاً في ذلك الوقت فيكون ذلك صادراً منه قبل النبوة وذلك لا نزاع فيه
المسألة الخامسة قالت المعتزلة الآية دلت على بطلان قول من نسب المعاصي إلى الله تعالى لأنه عليه السلام قال هَاذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فنسب المعصية إلى الشيطان فلو كانت بخلق الله تعالى لكانت من الله لا من الشيطان وهو كقول يوسف عليه السلام مِن بَعْدِ أَن نَّزغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِى وَبَيْنَ إِخْوَتِى ( يوسف ١٠٠ ) وقول صاحب موسى عليه السلام وَمَا أَنْسَانِيهُ إِلاَّ الشَّيْطَانُ ( الكهف ٦٣ ) وقوله تعالى لاَ يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُم مّنَ الْجَنَّة ِ ( الأعراف ٢٧ )
أما قوله رَبّ بِمَا أَنْعَمْتَ عَلَى َّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيراً لّلْمُجْرِمِينَ ففيه وجوه أحدها أن ظاهره يدل على أنه قال إنك لما أنعمت علي بهذا الإنعام فإني لا أكون معاوناً لأحد من المجرمين بل أكون معاوناً للمسلمين وهذا يدل على أن ما أقدم عليه من إعانة الإسرائيلي على القبطي كان طاعة لا معصية إذ لو كانت معصية لنزل الكلام منزلة ما إذا قيل إنك لما أنعمت علي بقبول توبتي عن تلك المعصية فإني أكون مواظباً على مثل تلك المعصية وثانيها قال القفال كأنه أقسم بما أنعم الله عليه أن لا يظاهر مجرماً والباء للقسم أي


الصفحة التالية
Icon