يدل على أن ذلك الإيناس حصل عقيب مجموع الأمرين ولا يدل على أنه حصل عقيب أحدهما وهو قضاء الأجل فبطل ما قاله القاضي من أن ذلك يدل على أنه لم يزد عليه وقوله وَسَارَ بِأَهْلِهِ ليس فيه دلالة على أنه خرج منفرداً معها وقوله امْكُثُواْ فيه دلالة على الجمع
أما قوله إِنّى آنَسْتُ نَاراً فقد مر تفسيره في سورة طه والنمل
أما قوله فَلَمَّا قَضَى مُوسَى الاْجَلَ وَسَارَ بِأَهْلِهِ ءانَسَ مِن جَانِبِ الطُّورِ ففيه أبحاث
الأول قال صاحب ( الكشاف ) الجذوة باللغات الثلاث وقد قرىء بهن جميعاً وهو العود الغليظ كانت في رأسه نار أو لم تكن قال الزجاج الجذوة القطعة الغليظة من الحطب
الثاني قد حكينا في سورة طه أنه أظلم عليه الليل في الصحراء وهبت ريح شديدة فرقت ماشيته وضل وأصابهم مطر فوجدوا برداً شديداً فعنده أبصر ناراً بعيدة فسار إليها يطلب من يدله على الطريق وهو قوله مّنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ أو آتيكم من هذه النار بجذوة من الحطب لعلكم تصطلون وفي قوله فَلَمَّا قَضَى مُوسَى الاْجَلَ دلالة على إنه ضل وفي قوله لَّعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ دلالة على البرد
أما قوله فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِى َ مِن شَاطِىء الْوَادِى الايْمَنِ فِى الْبُقْعَة ِ الْمُبَارَكَة ِ مِنَ الشَّجَرَة ِ أَن يامُوسَى مُوسَى إِنّى أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ فاعلم أن شاطىء الوادي جانبه وجاء النداء عن يمين موسى من شاطىء الوادي من قبل الشجرة وقوله مِنَ الشَّجَرَة ِ بدل من قوله مِن شَاطِىء الْوَادِى بدل الاشتمال لأن الشجرة كانت نابتة على الشاطىء كقوله لَّجَعَلْنَا لِمَن يَكْفُرُ بِالرَّحْمَانِ لِبُيُوتِهِمْ ( الزخرف ٣٣ ) وإنما وصف البقعة بكونها مباركة لأنه حصل فيها ابتداء الرسالة وتكليم الله تعالى إياه وههنا مسائل
المسألة الأولى احتجت المعتزلة على قولهم إن الله تعالى متكلم بكلام يخلقه في جسم بقوله مِنَ الشَّجَرَة ِ فإن هذا صريح في أن موسى عليه السلام سمع النداء من الشجرة والمتكلم بذلك النداء هو الله سبحانه وهو تعالى منزه أن يكون في جسم فثبت أنه تعالى إنما يتكلم بخلق الكلام في جسم أجاب القائلون بقدم الكلام فقالوا لنا مذهبان الأول قول أبي منصور الماتريدي وأئمة ما وراء النهر وهو أن الكلام القديم القائم بذات الله تعالى غير مسموع إنما المسموع هو الصوت والحرف وذلك كان مخلوقاً في الشجرة ومسموعاً منها وعلى هذا التقدير زال السؤال الثاني قول أبي الحسن الأشعري وهو أن الكلام الذي ليس بحرف ولا صوت يمكن أن يكون مسموعاً كما أن الذات التي ليست بجسم ولا عرض يمكن أن تكون مرئية فعلى هذا القول لا يبعد أنه سمع الحرف والصوت من الشجرة وسمع الكلام القديم من الله تعالى لا من الشجرة فلا منافاة بين الأمرين واحتج أهل السنة بأن محل قوله إِنّى أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ لو كان هو الشجرة لكان قد قالت الشجرة إني أنا الله والمعتزلة أجابوا بأن هذا إنما يلزم لو كان المتكلم بالكلام هو محل الكلام لا فاعله وهذا هو أصل المسألة أجاب أهل السنة بأن الذراع المسموم قال لا تأكل مني فإني مسموم ففاعل ذلك الكلام هو الله تعالى فإن كان المتكلم بالكلام هو فاعل ذلك الكلام لزم أن يكون الله قد قال لا تأكل مني فإني مسموم وهذا باطل وإن كان المتكلم هو محل الكلام لزم أن تكون الشجرة قد قالت إني أنا الله وكل ذلك باطل
المسألة الثانية يحتمل أن يقال إنه تعالى خلق فيه علماً ضرورياً بأن ذلك الكلام كلام الله والمعتزلة لا يرضون بذلك قالوا لأنه لو علم بالضرورة أن ذلك الكلام كلام الله لوجب أن يعلم بالضرورة وجود الله تعالى


الصفحة التالية
Icon