مكة ذهباً فقلت بل شبعة وثلاث جوعات ) وذلك أكثر لذكري ومسألتي لربي وفي رواية صفوان بن سليم عن عبد الوهاب قال عليه السلام ( أشبع يوماً وأجوع ثلاثاً فأحمدك إذا شبعت وأتضرع إليك إذا جعت ) وعن الضحاك ( لما عير المشركون رسول الله ( ﷺ ) بالفاقة حزن رسول الله ( ﷺ ) لذلك فنزل جبريل عليه السلام معزياً له وقال إن الله يقرؤك السلام ويقول وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلاَّ إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعَامَ ( الفرقان ٢٠ ) الآية قال فبينما جبريل عليه السلام والنبي ( ﷺ ) يتحدثان إذ فتح باب من أبواب السماء لم يكن فتح قبل ذلك ثم قال أبشر يا محمد هذا رضوان خازن الجنة قد أتاك بالرضا من ربك فسلم عليه وقال إن ربك يخيرك بين أن تكون نبياً ملكاً وبين أن تكون نبياً عبداً ومعه سفط من نور يتلألأ ثم قال هذه مفاتيح خزائن الدنيا فاقبضها من غير أن ينقصك الله مما أعد لك في الآخرة جناح بعوضة فنظر النبي ( ﷺ ) إلى جبريل كالمستشير فأومأ بيده أن تواضع فقال رسول الله ( ﷺ ) بل نبياً عبداً ) قال فكان عليه السلام بعد ذلك لم يأكل متكئاً حتى فارق الدنيا
أما قوله تعالى بَلْ كَذَّبُواْ بِالسَّاعَة ِ وَأَعْتَدْنَا لِمَن كَذَّبَ بِالسَّاعَة ِ سَعِيراً فهذا جواب ثالث عن تلك الشبهة كأنه سبحانه قال ليس ما تعلقوا به شبهة عيلمة في نفس المسألة بل الذي حملهم على تكذيبك تكذيبهم بالساعة استثقالاً للاستعداد لها ويحتمل أن يكون المعنى أنهم يكذبون بالساعة فلا يرجون ثواباً ولا عقاباً ولا يتحملون كلفة النظر والفكر فلهذا لا ينتفعون بما يورد عليهم من الدلائل ثم قال وَأَعْتَدْنَا لِمَن كَذَّبَ بِالسَّاعَة ِ سَعِيراً وفيه مسائل
المسألة الأولى قال أبو مسلم وَأَعْتَدْنَا أي جعلناها عتيداً ومعدة لهم والسعير النار الشديدة الاستعار وعن الحسن أنه اسم من أسماء جهنم
المسألة الثانية احتج أصحابنا على أن الجنة مخلوقة بقوله تعالى أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ ( آل عمران ١٣٣ ) وعلى أن النار التي هي دار العقاب مخلوقة بهذه الآية وهي قوله وَأَعْتَدْنَا لِمَن كَذَّبَ بِالسَّاعَة ِ سَعِيراً وقوله أَعْتَدْنَا إخبار عن فعل وقع في الماضي فدلت الآية على أن دار العقاب مخلوقة قال الجبائي يحتمل وأعتدنا النار في الدنيا وبها نعذب الكفار والفساق في قبورهم ويحتمل نار الآخرة ويكون معنى وَأَعْتَدْنَا أي سنعدها لهم كقوله وَنَادَى أَصْحَابُ الْجَنَّة ِ أَصْحَابَ النَّارِ ( الأعراف ٤٤ ) واعلم أن هذا السؤال في نهاية السقوط لأن المراد من السعير إما نار الدنيا وإما نار الآخرة فإن كان الأول فإما أن يكون المراد أنه تعالى يعذبهم في الدنيا بنار الدنيا أو يعذبهم في الآخرة بنار الدنيا والأول باطل لأنه تعالى ما عذبهم بالنار في الدنيا والتالي أيضاً باطل لأنه لم يقل أحد من الأمة أنه تعالى يعذب الكفرة في الآخرة بنيران الدنيا فثبت أن المراد نار الآخرة وثبت أنها معدة وحمل الآية على أن الله سيجعلها معدة ترك للظاهر من غير دليل وعلى أن الحسن قال السعير اسم من أسماء جهنم فقوله وَأَعْتَدْنَا لِمَن كَذَّبَ بِالسَّاعَة ِ سَعِيراً صريح في أنه تعالى أعد جهنم
المسألة الثالثة احتج أصحابنا بهذه الآية على أن السعيد من سعد في بطن أمه فقالوا إن الذين أعد الله تعالى لهم السعير وأخبر عن ذلك وحكم به أن صاروا مؤمنين من أهل الثواب انقلب حكم الله بكونهم من أهل السعير كذباً وانقلب بذلك علمه جهلاً وهذا الانقلاب محال والمؤدي إلى المحال محال فصيرورة أولئك مؤمنين من أهل الثواب محال فثبت أن السعيد لا ينقلب شقياً والشقي لا ينقلب سعيداً ثم إنه