سبحانه وتعالى وصف السعير بصفات إحداها قوله إِذَا رَأَتْهُمْ مّن مَّكَانٍ بَعِيدٍ سَمِعُواْ لَهَا تَغَيُّظاً وَزَفِيراً وفيه مسائل
المسألة الأولى السعير مذكر ولكن جاء ههنا مؤنثاً لأنه تعالى قال رَأَتْهُمْ وقال سَمِعُواْ لَهَا وإنما جاء مؤنثاً على معنى النار
المسألة الثانية مذهب أصحابنا أن البنية ليست شرطاً في الحياة فالنار على ما هي عليه يجوز أن يخلق الله الحياة والعقل والنطق فيها وعند المعتزلة ذلك غير جائز وهؤلاء المعتزلة ليس لهم في هذا الباب حجة إلا استقراء العادات ولو صدق ذلك لوجب التكذيب بانخراق العادات في حق الرسل فهؤلاء قولهم متناقض بل إنكار العادات لا يليق إلا بأصول الفلاسفة فعلى هذا قال أصحابنا قول الله تعالى في صفة النار إِذَا رَأَتْهُمْ مّن مَّكَانٍ بَعِيدٍ سَمِعُواْ لَهَا تَغَيُّظاً وَزَفِيراً يجب إجراؤه على الظاهر لأنه لا امتناع في أن تكون النار حية رائية مغتاظة على الكفار أما المعتزلة فقد احتاجوا إلى التأويل وذكروا فيه وجوهاً أحدها قالوا معنى رأتهم ظهرت لهم من قولهم دورهم تتراءى وتتناظر وقال عليه السلام ( إن المؤمن والكافر لا تتراءى ناراهما ) أي لا تتقابلان لما يجب على المؤمن من مجانبة الكافر والمشرك ويقال دور فلان متناظرة أي متقابلة وثانيها أن النار لشدة اضطرامها وغليانها صارت ترى الكفار وتطلبهم وتتغيظ عليهم وثالثها قال الجبائي إن الله تعالى ذكر النار وأراد الخزنة الموكلة بتعذيب أهل النار لأن الرؤية تصح منهم ولا تصح من النار فهو كقوله وَاسْئَلِ الْقَرْيَة َ ( يوسف ٨٢ ) أراد أهلها
المسألة الثالثة لقائل أن يقول التغيظ عبارة عن شدة الغضب وذلك لا يكون مسموعاً فكيف قال الله تعالى سَمِعُواْ لَهَا تَغَيُّظاً وَزَفِيراً والجواب عنه من وجوه أحدها أن التغيظ وإن لم يسمع فإنه قد يسمع ما يدل عليه من الصوت وهو كقوله رأيت غضب الأمير على فلان إذا رأى ما يدل عليه وكذلك يقال في المحبة فكذا ههنا والمعنى سمعوا لها صوتاً يشبه صوت المتغيظ وهو قول الزجاج وثانيها المعنى علموا لها تغيظاً وسمعوا لها زفيراً وهذا قول قطرب وهو كقول الشاعر مقلداً سيفاً ورمحاً وثالثها المراد تغيظ الخزنة
المسألة الرابعة قال عبيد بن عمير إن جهنم لتزفر زفرة لا يبقى أحد إلا وترعد فرائصه حتى إن إبراهيم عليه السلام يجثو على ركبتيه ويقول نفسي نفسي
الصفة الثانية للسعير قوله تعالى وَإَذَا أُلْقُواْ مِنْهَا مَكَاناً ضَيّقاً مُّقَرَّنِينَ دَعَوْاْ هُنَالِكَ ثُبُوراً واعلم أن الله سبحانه لما وصف حال الكفار حينما يكونون بالبعد من جهنم وصف حالهم عند ما يلقون فيها نعوذ بالله منه بما لا شيء أبلغ منه وفيه مسائل
المسألة الأولى في ضَيّقاً قراءتان التشديد والتخفيف وهو قراءة ابن كثير
المسألة الثانية نقل في تفسير الضيق أمور قال قتادة ذكر لنا عبدالله بن عمر قال ( إن جهنم لتضيق على الكافر كضيق الزج على الرمح ) وسئل النبي ( ﷺ ) عن ذلك فقال ( والذي نفسي بيده إنهم يستكرهون في النار كما يستكره الوتد في الحائط ) قال الكلبي الأسفلون يرفعهم اللهيب والأعلون يخفضهم الداخلون


الصفحة التالية
Icon