على تلك القرية التي أهلكت بالحجارة من السماء أَفَلَمْ يَكُونُواْ في ( مرار ) مرورهم ينظرون إلى آثار عذاب الله تعالى ونكاله ( ويذَّكرون ) بَلْ كَانُواْ قوماً كفرة لاَ يَرْجُونَ نُشُوراً وذكروا في تفسير يَرْجُونَ وجوها أحدها وهو الذي قاله القاضي وهو الأقوى أنه محمول على حقيقة الرجاء لأن الإنسان لا يتحمل متاعب التكاليف ومشاق النظر والاستدلال إلا لرجاء ثواب الآخرة فإذا لم يؤمن بالآخرة لم يرج ثوابها فلا يتحمل تلك المشاق والمتاعب وثانيها معناه لا يتوقعون نشوراً ( وعاقبة ) فوضع الرجاء موضع التوقع لأنه إنما يتوقع العاقبة من يؤمن وثالثها معناه لا يخافون على اللغة التهامية وهو ضعيف والأول هو الحق
وَإِذَا رَأَوْكَ إِن يَتَّخِذُونَكَ إِلاَّ هُزُواً أَهَاذَا الَّذِى بَعَثَ اللَّهُ رَسُولاً إِن كَادَ لَيُضِلُّنَا عَنْ ءَالِهَتِنَا لَوْلاَ أَن صَبْرَنَا عَلَيْهَا وَسَوْفَ يَعْلَمُونَ حِينَ يَرَوْنَ الْعَذَابَ مَنْ أَضَلُّ سَبِيلاً أَرَءَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَاهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلاً أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلاَّ كَالاٌّ نْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً
اعلم أنه سبحانه لما بين مبالغة المشركين في إنكار نبوته وفي إيراد الشبهات في ذلك بين بعد ذلك أنهم إدا رأوا الرسول اتخذوه هزواً فلم يقتصروا على ترك الإيمان به بل زادوا عليه بالاستهزاء والاستحقار ويقول بعضهم لبعض أَهَاذَا الَّذِى بَعَثَ اللَّهُ رَسُولاً وفيه مسائل
المسألة الأولى قال صاحب ( الكشاف ) ( إنْ ) الأولى نافية والثانية مخففة من الثقيلة واللام هي الفارقة بينهما
المسألة الثانية جواب ( إذا ) هو ما أضمر من القول يعني وإذا رأوك مستهزئين قالوا أبعث الله هذا رسولاً وقوله إِن يَتَّخِذُونَكَ جملة اعترضت بين ( إذا ) وجوابها
المسألة الثالثة اتخذوه هزواً في معنى استهزؤا به والأصل اتخذوه موضع هزء أو مهزوءاً به
المسألة الرابعة اعلم أن الله تعالى أخبر عن المشركين أنهم متى رأوا الرسول أتوا بنوعين من الأفعال أحدهما أنهم يستهزئون به وفسر ذلك الاستهزاء بقوله أَهَاذَا الَّذِى بَعَثَ اللَّهُ رَسُولاً وذلك جهل عظيم لأن الاستهزاء إما أن يقع بصورته أو بصفته أما الأول فباطل لأنه عليه الصلاة والسلام كان أحسن منهم صورة وخلقة وبتقدير أنه لم يكن كذلك لكنه عليه السلام ما كان يدعي التمييز عنهم بالصورة بل بالحجة وأما الثاني فباطل لأنه عليه السلام ادعى التميز عنهم في ظهور المعجز عليه دونهم وأنهم ما قدروا على القدح في حجته ودلالته ففي الحقيقة هم الذين يستحقون أن يهزأ بهم ثم إنهم لوقاحتهم قلبوا القضية واستهزؤا بالرسول عليه السلام وذلك يدل على أنه ليس للمبطل في كل الأوقات إلا السفاهة والوقاحة وثانيهما أنهم كانوا يقولون فيه إِن كَادَ لَيُضِلُّنَا عَنْ ءالِهَتِنَا لَوْلاَ أَن صَبْرَنَا عَلَيْهَا وذلك يدل على أمور الأول أنهم سموا ذلك إضلالاً وذلك يدل على أنهم كانوا مبالغين في تعظيم آلهتهم وفي استعظام صنيعه ( ﷺ ) في صرفهم عنه وذلك يدل على أنهم كانوا يعتقدون أن هذا هو الحق فمن هذا الوجه يبطل قول أصحاب المعارف في أنه لا يكفر إلا من يعرف الدلائل لأنهم جهلوه ثم نسبهم الله تعالى إلى الكفر واضلال وقولهم لَوْلاَ أَن صَبْرَنَا عَلَيْهَا يدل أيضاً على ذلك الثاني يدل هذا القول منهم على جد الرسول عليه السلام واجتهاده في صرفهم عن عبادة الأوثان ولولا ذلك لما قالوا إِن كَادَ لَيُضِلُّنَا عَنْ ءالِهَتِنَا لَوْلاَ أَن صَبْرَنَا عَلَيْهَا


الصفحة التالية
Icon