الخلفة ففيها قولان الأول أنها عبارة عن كون الشيئين بحيث أحدهما يخلف الآخر ويأتي خلفه يقال بفلان خلفة واختلاف إذا اختلف كثيراً إلى متبرزه والمعنى جعلهما ذوي خلفة أي ذوي عقبة يعقب هذا ذاك وذاك هذا قال ابن عباس رضي الله عنهما جعل كل واحد منهما يخلف صاحبه فيما يحتاج أن يعمل فيه فمن فرط في عمل في أحدهما قضاه في الآخر قال أنس بن مالك قال رسول الله ( ﷺ ) لعمر بن الخطاب وقد فاتته قراءة القرآن بالليل ( يا ابن الخطاب لقد أنزل الله فيك آية وتلا وَهُوَ الَّذِى جَعَلَ الَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَة ً لّمَنْ أَرَادَ أَن يَذَّكَّرَ ما فاتك من النوافل بالليل فاقضه في نهارك وما فاتك من النهار فاقضه في ليلك ) القول الثاني وهو قول مجاهد وقتادة والكسائي يقال لكل شيئين اختلفا هما خلفان فقوله خِلْفَة ً أي مختلفين وهذا أسود وهذا أبيض وهذا طويل وهذا قصير والقول الأول أقرب
أما قوله تعالى أَن يَذَّكَّرَ فقراءة العامة بالتشديد وقراءة حمزة بالتخفيف وعن أبي بن كعب ( يتذكر ) والمعنى لينظر الناظر في اختلافهما فيعلم أنه لا بد في انتقالهما من حال إلى حال ( وتغيرهما ) من ناقل ومغير وقوله أَن يَذَّكَّرَ راجع إلى كل ما تقدم من النعم بين تعالى أن الذين قالوا وما الرحمن لو تفكروا في هذه النعم وتذكروها لاستدلوا بذلك على عظيم قدرته ولشكر الشاكرين على النعمة فيهما من السكون بالليل والتصرف بالنهار كما قال تعالى وَمِن رَّحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ الَّيْلَ وَالنَّهَارَ لِتَسْكُنُواْ فِيهِ وَلِتَبتَغُواْ مِن فَضْلِهِ ( القصص ٧٣ ) أو ليكونا وقتين للمتذكرين والشاكرين من فاته في أحدهما ورد من العبادة قام به في الآخر والشكور مصدر شكر يشكر شكوراً
وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأرض هَوْناً وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الجَاهِلُونَ قَالُواْ سَلاَماً وَالَّذِينَ يِبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّداً وَقِيَاماً وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَاماً إِنَّهَا سَآءَتْ مُسْتَقَرّاً وَمُقَاماً وَالَّذِينَ إِذَآ أَنفَقُواْ لَمْ يُسْرِفُواْ وَلَمْ يَقْتُرُواْ وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَاماً
اعلم أن قوله وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ مبتدأ خبره في آخر السورة كأنه قيل وعباد الرحمن الذين هذه صفاتهم أولئك يجزون الغرفة ويجوز أن يكون خبره الَّذِينَ يَمْشُونَ واعلم أنه سبحانه خص اسم العبودية بالمشتغلين بالعبودية فدل ذلك على أن هذه الصفة من أشرف صفات المخلوفات وقرىء وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ واعلم أنه سبحانه وصفهم بتسعة أنواع من الصفات
الصفة الأولى قوله الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الاْرْضِ هَوْناً وهذا وصف سيرتهم بالنهار وقرىء يَمْشُونَ هَوْناً حال أو صفة للمشي بمعنى هينين أو بمعنى مشياً هيناً إلا أن في وضع المصدر موضع الصفة مبالغة


الصفحة التالية
Icon