والهون الرفق واللين ومنه الحديث ( أحبب حبيبك هوناً ما ) وقوله ( المؤمنون هينون لينون ) والمعنى أن مشيهم يكون في لين وسكينة ووقار وتواضع ولا يضربون بأقدامهم ( ولا يخفقون بنعالهم ) أشراً وبطراً ولا يتبخترون لأجل الخيلاء كما قال وَلاَ تَمْشِ فِى الاْرْضِ مَرَحًا ( الإسراء ٣٧ ) وعن زيد بن أسلم التمست تفسير هَوْناً فلم أجد فرأيت في النوم فقيل لي هم الذين لا يريدون الفساد في الأرض وعن ابن زيد لا يتكبرون ولا يتجبرون ولا يريدون علواً في الأرض
الصفة الثانية قوله تعالى وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الجَاهِلُونَ قَالُواْ سَلاَماً معناه لا نجاهلكم ولا خير بيننا ولا شر أي نسلم منكم تسليماً فأقيم السلام مقام التسليم ثم يحتمل أن يكون مرادهم طلب السلامة والسكوت ويحتمل أن يكون المراد التنبيه على سوء طريقتهم لكي يمتنعوا ويحتمل أن يكون مرادهم العدول عن طريق المعاملة ويحتمل أن يكون المراد إظهار الحلم في مقابلة الجهل قال الأصم قَالُواْ سَلاَماً أي سلام توديع لا تحية كقول إبراهيم لأبيه سَلَامٌ عَلَيْكَ ( مريم ٤٧ ) ثم قال الكلبي وأبو العالية نسختها آية القتال ولا حاجة إلى ذلك لأن الإغضاء عن السفهاء وترك المقابلة مستحسن في العقل والشرع وسبب لسلامة العرض والورع
الصفة الثالثة قوله وَالَّذِينَ يِبِيتُونَ لِرَبّهِمْ سُجَّداً وَقِيَاماً واعلم أنه تعالى لما ذكر سيرتهم في النهار من وجهين أحدهما ترك الإيذاء وهو المراد من قوله يَمْشُونَ عَلَى الاْرْضِ هَوْناً والآخر تحمل التأذي وهو المراد من قوله وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الجَاهِلُونَ قَالُواْ سَلاَماً فكأنه شرح سيرتهم مع الخلق في النهار فبين في هذه الآيات سيرتهم في الليالي عند الاشتغال بخدمة الخالق وهو كقوله تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ ( السجدة ١٦ ) ثم قال الزجاج كل من أدركه الليل قيل بات وإن لم ينم كما يقال بات فلان قلقاً ومعنى يِبِيتُونَ لِرَبّهِمْ أن يكونوا في لياليهم مصلين ثم اختلفوا فقال بعضهم من قرأ شيئاً من القرآن في صلاة وإن قل فقد بات ساجداً وقائماً وقيل ركعتين بعد المغرب وأربعاً بعد العشاء الأخيرة والأولى أنه وصف لهم بإحياء الليل أو أكثره يقال فلان يظل صائماً ويبيت قائماً قال الحسن يبيتون لله على أقدمهم ويفرشون له وجوههم تجري دموعهم على خدودهم خوفاً من ربهم
الصفة الرابعة قوله وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَاماً قال ابن عباس رضي الله عنهما يقولون في سجودهم وقيامهم هذا القول وقال الحسن خشعوا بالنهار وتعبوا بالليل فرقاً من عذاب جهنم وقوله غَرَاماً أي هلاكاً وخسراناً ملحاً لازماً ومنه الغريم لإلحاحه وإلزامه ويقال فلان مغرم بالنساء إذا كان مولعاً بهن وسأل نافع بن الأزرق ابن عباس عن الغرام فقال هو الموجع وعن محمد بن كعب في غَرَاماً أنه سأل الكفار ثمن نعمه فما أدوها إليه فأغرمهم فأدخلهم النار واعلم أنه تعالى وصفهم بإحياء الليل ساجدين وقائمين ثم عقبه بذكر دعوتهم هذه إيذاناً بأنهم مع اجتهادهم خائفون مبتهلون إلى الله في صرف العذاب عنهم كقوله وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا ءاتَواْ وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَة ٌ ( المؤمنون ٦٠ )
أما قوله تعالى إِنَّهَا سَاءتْ مُسْتَقَرّاً وَمُقَاماً فقوله سَاءتْ في حكم بئست وفيها ضمير مبهم تفسيره ( مستقراً ) والمخصوص بالذم محذوف معناه ساءت مستقراً ومقاماً هي ( وهذا الضمير هو الذي ربط الجملة باسم إن وجعلها خبراً لها ويجوز أن يكون ساءت بمعنى أحزنت وفيها ضمير اسم إن ) ومستقراً حال أو تمييز فإن قيل دلت الآية على أنهم سألوا الله تعالى أن يصرف عنهم عذاب جهنم لعلتين إحداهما أن عذابها كان غراماً