الأصلين الحشر والتوحيد أما الحشر فبقوله ثُمَّ يُحْيِيكُمْ والدليل قدرته على الخلق ابتداء وأما التوحيد فبقوله هَلْ مِن شُرَكَائِكُمْ مَّن يَفْعَلُ مِن ذَلِكُمْ مّن شَى ْء ثم قال تعالى سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ فقوله سبحانه أي سبحوه تسبيحاً أي نزهوه ولا تصفوه بالإشراك وقوله وَتَعَالَى أي لا يجوز عليه ذلك وهذا لأن من لا يتصف بشيء قد يجوز عليه فإذا قال سبحوه أي لا تصفوه بالإشراك وإذا قال وتعالى فكأنه قال ولا يجوز عليه ذلك
ظَهَرَ الْفَسَادُ فِى الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِى النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِى عَمِلُواْ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ
وجه تعلق هذه الآية بما قبلها هو أن الشرك سبب الفساد كما قال تعالى لَوْ كَانَ فِيهِمَا الِهَة ٌ إِلاَّ اللَّهُ لَفَسَدَتَا ( الأنبياء ٢٢ ) وإذا كان الشرك سببه جعل الله إظهارهم الشرك مورثاً لظهور الفساد ولو فعل بهم ما يقتضيه قولهم لَفَسَدَتِ السَّمَاوَاتِ وَالاْرْضَ ( المؤمنون ٧١ ) كما قال تعالى تَكَادُ السَّمَاوَاتِ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنشَقُّ الاْرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدّاً ( مريم ٩٠ ) وإلى هذا أشار بقوله تعالى لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِى عَمِلُواْ واختلفت الأقوال في قوله فِى الْبَرّ وَالْبَحْرِ فقال بعض المفسرين المراد خوف الطوفان في البر والبحر وقال بعضهم عدم إنبات بعض الأراضي وملوحة مياه البحار وقال آخرون المراد من البحر المدن فإن العرب تسمى المدائن بحوراً لكون مبنى عمارتها على الماء ويمكن أن يقال إن ظهور الفساد في البحر قلة مياه العيون فإنها من البحار واعلم أن كل فساد يكون فهو بسبب الشرك لكن الشرك قد يكون في العمل دون القول والاعتقاد فيسمى فسقاً وعصياناً وذلك لأن المعصية فعل لا يكون لله بل يكون للنفس فالفاسق مشرك بالله بفعله غاية ما في الباب أن الشرك بالفعل لا يوجب الخلود لأن أصل المرء قلبه ولسانه فإذا لم يوجد منهما إلا التوحيد يزول الشرك البدني بسببهما وقوله تعالى لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِى عَمِلُواْ قد ذكرنا أن ذلك ليس تمام جزائهم وكل موجب افترائهم وقوله لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ يعني كما يفعله المتوقع رجوعهم مع أن الله يعلم أن من أضله لا يرجع لكن الناس يظنون أنه لو فعل بهم شيء من ذلك لكان يوجد منهم الرجوع كما أن السيد إذا علم من عبده أنه لا يرتدع بالكلام فيقول القائل لماذا لا تؤدبه بالكلام فإذا قال لا ينفع ربما يقع في وهمه أنه لا يبعد عن نفع فإذا زجره ولم يرتدع يظهر له صدق كلام السيد ويطمئن قلبه
قُلْ سِيرُواْ فِى الأرض فَانْظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَة ُ الَّذِينَ مِن قَبْلُ كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُّشْرِكِينَ
لما بين حالهم بظهور الفساد في أحوالهم بسبب فساد أقوالهم بين لهم هلاك أمثالهم وأشكالهم الذين


الصفحة التالية
Icon