وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ والأرض لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ
الآية متعلقة بما قبلها من وجهين أحدهما أنه تعالى لما استدل بخلق السموات بغير عمد وبنعمه الظاهرة والباطنة بين أنهم معترفون بذلك غير منكرين له وهذا يقتضي أن يكون الحمد كله لله لأن خالق السموات والأرض يحتاج إليه كل ما في السموات والأرض وكون الحمد كله لله يقتضي أن لا يعبد غيره لكنهم لا يعلمون هذا والثاني أن الله تعالى لما سلى قلب النبي ( ﷺ ) بقوله فَلاَ يَحْزُنكَ كُفْرُهُ إِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ فَنُنَبّئُهُم أي لا تحزن على تكذيبهم فإن صدقك وكذبهم يتبين عن قريب عند رجوعهم إلينا قال وليس لا يتبين إلا ذلك اليوم بل هو يتبين قبل يوم القيامة لأنهم معترفون بأن خلق السموات والأرض من الله وهذا يصدقك في دعوى الوحدانية ويبين كذبهم في الإشراك فَقُلِ الْحَمْدُ للَّهِ على ظهور صدقك وكذب مكذبيك بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ أي ليس لهم علم يمنعهم من تكذيبك مع اعترافهم بما يوجب تصديقك وعلى هذا يكون لا يعلمون استعمالاً للفعل مع القطع عن المفعول بالكلية كما يقول القائل فلأن يعطي ويمنع ولا يكون في ضميره من يعطي بل يريد أن له عطاءً ومنعاً فكذلك ههنا قال لا يعلمون أي ليس لهم علم وعلى الأول يكون لا يعلمون له مفعول مفهوم وهو أنهم لا يعلمون أن الحمد كله لله والثاني أبلغ لأن قول القائل فلان لا علم له بكذا دون قوله فلان لا علم له وكذا قوله فلان لا ينفع زيداً ولا يضره دون قوله فلان لا يضر ولا ينفع
لِلَّهِ مَا فِى السَّمَاوَاتِ والأرض إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِى ُّ الْحَمِيدُ
ذكر بما يلزم منه وهو أنه يكون له ما فيهما والأمر كذلك عقلاً وشرعاً أما عقلاً فلأن ما في السموات المخلوقة مخلوق وإضافة خلقه إلى من منه خلق السموات والأرض لازم عقلاً لأنها ممكنة والممكن لا يقع ولا يوجد إلا بواجب من غير واسطة كما هو مذهب أهل السنة أو بواسطة كما يقوله غيرهم وكيفما فرض فكله من الله لأن سبب السبب سبب وأما شرعاً فلأن من يملك أرضاً وحصل منها شيء ما يكون ذلك لمالك الأرض فكذلك كل ما في السموات والأرض حاصل فيهما ومنهما فهو لمالك السموات والأرض وإذا كان الأمر كذلك تحقق أن الحمد كله لله ثم قوله تعالى إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِى ُّ الْحَمِيدُ فيه معان لطيفة أحدها أن الكل لله وهو غير محتاج إليه غير منتفع به وفيها منافع فهي لكم خلقها فهو غني لعدم حاجته حميد مشكور لدفعه حوائجكم بها وثانيها أن بعد ذكر الدلائل على أن الحمد كله لله ولا تصلح العبادة إلا لله افترق المكلفون فريقين مؤمن وكافر والكافر لم يحمد الله والمؤمن حمده فقال إنه عني عن حمد الحامدين فلا يلحقه نقص بسبب كفر الكافرين وحميد في نفسه فيتبين به إصابة المؤمنين وتكمل بحمده الحامدون وثالثها هو أن السموات وما فيها والأرض وما فيها إذا كانت لله ومخلوقة له فالكل محتاجون فلا غني إلا الله فهو الغني المطلق وكل محتاج فهو حامد لاحتياجه إلى من يدفع حاجته فلا يكون الحميد المطلق إلا الغني


الصفحة التالية
Icon