واحد فإن الإنسان لا يضبط في زمان واحد كلامين والأذن محله ولا اختيار لها فيه فإن الصوت من أي جانب كان يصل إليه ولا قدرة لها على تخصيص القوة بإدراك البعض دون البعض وأما الإبصار فمحله العين ولها فيه شبه اختيار فإنها تتحرك إلى جانب مرئي دون آخر وكذلك الفؤاد محل الإدراك وله نوع اختيار يلتفت إلى ما يريد دون غيره وإذا كان كذلك فلم يكن للمحل في السمع تأثير والقوة مستبدة فذكر القوة في الأذن وفي العين والفؤاد للمحل نوع اختيار فذكر المحل لأن الفعل يسند إلى المختار ألا ترى أنك تقول سمع زيد ورأى عمرو ولا تقول سمع أذن زيد ولا رأى عين عمرو إلا نادراً لما بينا أن المختار هو الأصل وغيره آلته فالسمع أصل دون محله لعدم الاختيار له والعين كالأصل وقوة الأبصار آلتها والفؤاد كذلك وقوة الفهم آلته فذكر في السمع المصدر الذي هو القوة وفي الأبصار والأفئدة الاسم الذي هو محل القوة ولأن السمع له قوة واحدة ولها فعل واحد ولهذا لا يسمع الإنسان في زمان واحد كلامين على وجه يضبطهما ويدرك في زمان واحد صورتين وأكثر ويستبينهما
المسألة الرابعة لم قدم السمع ههنا والقلب في قوله تعالى خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ ( البقرة ٧ ) فنقول ذلك يحقق ما ذكرنا وذلك لأن عند الإعطاء ذكر الأدنى وارتقى إلى الأعلى فقال أعطاكم السمع ثم أعطاكم ما هو أشرف منه وهو القلب وعند السلب قال ليس لهم قلب يدركون به ولا ما هو دونه وهو السمع الذي يسمعون به ممن له قلب يفهم الحقائق ويستخرجها وقد ذكرنا هناك ما هو السبب في تأخير الأبصار مع أنها في الوسط فيما ذكرنا من الترتيب وهو أن القلب والسمع سلب قوتهما بالطبع فجمع بينهما وسلب قوة البصر بجعل الغشاوة عليه فذكرها متأخرة
وَقَالُوا أَءِذَا ضَلَلْنَا فِى الأرض أَءِنَّا لَفِى خَلْقٍ جَدِيدٍ بَلْ هُم بِلَقَآءِ رَبِّهِمْ كَافِرُونَ
لما قال قَلِيلاً مَّا تَشْكُرُونَ بين عدم شكرهم بإتيانهم بضده وهو الكفر وإنكار قدرته على إحياء الموتى وقد ذكرنا أن الله تعالى في كلامه القديم كلما ذكر أصلين من الأصول الثلاثة لم يترك الأصل الثالث وههنا كذلك لما ذكر الرسالة بقوله تَنزِيلُ الْكِتَابِ إلى قوله لِتُنذِرَ قَوْماً مَّا أَتَاهُم مّن نَّذِيرٍ مّن قَبْلِكَ وذكر الوحدانية بقوله اللَّهُ الَّذِى خَلَقَ إلى قوله وَجَعَلَ لَكُمُ الْسَّمْعَ وَالاْبْصَارَ ذكر الأصل الثالث وهو الحشر بقوله تعالى وَقَالُواْ أَءذَا ضَلَلْنَا فِى الاْرْضِ وفيه مسائل
المسألة الأولى الواو للعطف على ما سبق منهم فإنهم قالوا محمد ليس برسول والله ليس بواحد وقالوا الحشر ليس بممكن
المسألة الثانية أنه تعالى قال في تكذيبهم الرسول في الرسالة أم يقولون بلفظ المستقبل وقال في تكذيبهم إياه في الحشر وقالوا بلفظ الماضي وذلك لأن تكذيبهم إياه في رسالته لم يكن قبل وجوده وإنما كان ذلك حالة وجوده فقال يقولون يعني هم فيه وأما إنكارهم للحشر كان سابقاً صادراً منهم ومن آبائهم فقال وقالوا
المسألة الثالثة أنه تعالى صرح بذكر قولهم في الرسالة حيث قال أَمْ يَقُولُونَ وفي الحشر حيث قال وَقَالَ ولم يصرح بذكر قولهم في الوحدانية وذلك لأنهم كانوا مصرين في جميع الأحوال على إنكار الحشر والرسول وأما الوحدانية فكانوا يعترفون بها في المعنى ألا ترى أن الله تعالى قال وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالاْرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ ( لقمان ٢٥ ) فلم يقل قالوا إن الله ليس بواحد وإن كانوا قالوه في الظاهر
المسألة الرابعة لو قال قائل لما ذكر الرسالة ذكر من قبل دليلها وهو التنزيل الذي لا ريب فيه ولما ذكر الوحدانية ذكر دليلها وهو خلق السموات والأرض وخلق الإنسان من طين ولما ذكر إنكارهم الحشر لم يذكر الدليل نقول في الجواب ذكر دليله أيضاً وذلك لأن خلق الإنسان ابتداء دليل على قدرته على إعادته


الصفحة التالية
Icon