تذكر حال موسى ولا تحزن فإنه لقي ما لقيت وأوذي كما أوذيت وعلى هذا فاختيار موسى عليه السلام لحكمة وهي أن أحداً من الأنبياء لم يؤذه قومه إلا الذين لم يؤمنوا به وأما الذين آمنوا به فلم يخالفوه غير قوم موسى فإن لم يؤمن به آذاه مثل فرعون وغيره ومن آمن به من بني إسرائيل أيضاً آذاه بالمخالفة وطلب أشياء منه مثل طلب رؤية الله جهرة ومثل قوله اذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا ( المائدة ٢٤ ) ثم بين له أن هدايته غير خالية عن المنفعة كما أنه لم تخل هداية موسى فقال وَجَعَلْنَاهُ هُدًى لِنَبِى ّ إِسْراءيلَ وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّة ً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا فحيث جعل الله كتاب موسى هدى وجعل منهم أئمة يهدون كذلك يجعل كتابك هدى ويجعل من أمتك صحابة يهدون كما قال عليه السلام ( أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم ) ثم بين أن ذلك يحصل بالصبر فقال لَمَّا صَبَرُواْ وَكَانُواْ بِئَايَاتِنَا يُوقِنُونَ فكذلك اصبروا وآمنوا بأن وعد الله حق
إِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقَيَامَة ِ فِيمَا كَانُواْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ أَوَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَبْلِهِمْ مِّنَ الْقُرُونِ يَمْشُونَ فِى مَسَاكِنِهِمْ إِنَّ فِى ذَلِكَ لاّيَاتٍ أَفَلاَ يَسْمَعُونَ
قوله إِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقَيَامَة ِ فِيمَا كَانُواْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ هذا يصلح جواباً لسؤال وهو أنه لما قال تعالى وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّة ً يَهْدُونَ كان لقائل أن يقول كيف كانوا يهدون وهم اختلفوا وصاروا فرقاً وسبيل الحق واحد فقال فيهم هداة والله بين المبتدع من المتبع كما يبين المؤمن من الكافر يوم القيامة وفيه وجه آخر وهو أن الله تعالى بين أنه يفصل بين المختلفين من أمة واحدة كما يفصل بين المختلفين من الأمم فينبغي أن لا يأمن من آمن وإن لم يجتهد فإن المبتدع معذب كالكافر غاية ما في الباب أن عذاب الكافر أشد وآلم وأمد وأدوم
ثم قال تعالى أَوَ لَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمَا أَهْلَكْنَا مِن قَبْلِهِمْ مّنَ الْقُرُونِ قد ذكرنا أن قوله تعالى وَلَقَدْ ءاتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ تقرير لرسالة محمد ( ﷺ ) وإعادة لبيان ما سبق في قوله لِتُنذِرَ قَوْماً مَّا أَتَاهُم مّن نَّذِيرٍ مّن قَبْلِكَ ( القصص ٤٦ ) ولما أعاد ذكر الرسالة أعاد ذكر التوحيد فقال تعالى أَوَ لَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَبْلِهِمْ وقوله يَمْشُونَ فِى مَسَاكِنِهِمْ زيادة إبانة أي مساكن المهلكين دالة على حالهم وأنتم تمشون فيها وتبصرونها وقوله تعالى إِنَّ فِى ذَلِكَ لاَيَاتٍ أَفَلاَ يَسْمَعُونَ اعتبر فيه السمع لأنهم ما كان لهم قوة الإدراك بأنفسهم والاستنباط بعقولهم فقال أفلا يسمعون يعني ليس لهم درجة المتعلم الذي يسمع الشيء ويفهمه


الصفحة التالية
Icon