( الأحزاب ٤٣ ) والمتعارفان إذا التقيا وكان أحدهما شفيقاً بالآخر والآخر معظماً له غاية التعظيم لا يتحقق بينهما إلا السلام وأنواع الإكرام
ياأَيُّهَا النَّبِى ُّ إِنَّآ أَرْسَلْنَاكَ شَاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً وَدَاعِياً إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجاً مُّنِيراً
قد ذكرنا أن السورة فيها تأديب للنبي عليه السلام من ربه فقوله في ابتدائها مُّنتَظِرُونَ ياأَيُّهَا النَّبِى ّ اتَّقِ اللَّهَ اشارة إلى ما ينبغي أن يكون عليه مع ربه وقوله قَدِيراً ياأَيُّهَا النَّبِى ُّ قُل لاْزْواجِكَ إشارة إلى ما ينبغي أن يكون عليه مع أهله وقوله كَرِيماً ياأَيُّهَا النَّبِى ُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ إشارة إلى ما ينبغي أن يكون عليه مع عامة الخلق وقوله تعالى شَاهِداً يحتمل وجوهاً أحدهما أنه شاهد على الخلق يوم القيامة كما قال تعالى وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا ( البقر ١٤٣ ) وعلى هذا فالنبي بعث شاهداً أي متحملاً للشهادة ويكون في الآخرة شهيداً أي مؤدياً لما تحمله ثانيها أنه شاهد أن لا إله إلا الله وعلى هذا لطيفة وهو أن الله جعل النبي شاهداً على الوحدانية والشاهد لا يكون مدعياً فالله تعالى لم يجعل النبي في مسئلة الوحدانية مدعياً لها لأن المدعى من يقول شيئاً على خلاف الظاهر والوحدانية أظهر من الشمس والنبي عليه السلام كان ادعى النبوة فجعل الله نفسه شاهداً له في مجازاة كونه شاهداً لله فقال تعالى وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ ( المنافقون ١ ) وثالثها أنه شاهد في الدنيا بأحوال الآخرة من الجنة والنار والميزان والصراط وشاهد في الآخرة بأحوال الدنيا بالطاعة والمعصية والصلاح والفساد وقوله وَمُبَشّراً وَنَذِيراً وَدَاعِياً فيه ترتيب حسن وذلك من حيث إن النبي عليه السلام أرسل شاهداً بقوله لا إله إلا الله ويرغب في ذلك بالبشارة فإن لم يكف ذلك يرهب بالإندار ثم لا يكتفي بقولهم لا إله إلا الله بل يدعوهم إلى سبيل الله كما قال تعالى ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبّكَ ( النحل ١٢٥ ) وقوله وَسِرَاجاً مُّنِيراً أي مبرهناً على ما يقول مظهراً له بأوضح الحجج وهو المراد بقوله تعالى بِالْحِكْمَة ِ وَالْمَوْعِظَة ِ الْحَسَنَة ِ ( النحل ١٢٥ )
وفيه لطائف إحداها قوله تعالى وَدَاعِياً إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ حيث لم يقل وشاهداً باذنه ومبشراً وعند الدعاء قال وداعياً باذنه وذلك لأن من يقول عن ملك إنه ملك الدنيا لا غيره لا يحتاج فيه إلى إذن منه فإنه وصفه بما فيه وكذلك إذا قال من يطيعه يسعد ومن يعصه يشقى يكون مبشراً ونذيراً ولا يحتاج إلى إذن من الملك في ذلك وأما إذا قال تعالوا إلى سماطه واحضروا على خوانه يحتاج فيه إلى إذنه فقال تعالى وَدَاعِياً إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ ووجه آخر وهو أن النبي يقول إني أدعو إلى الله والولي يدعو إلى الله والأول لا إذن له فيه من أحد والثاني مأذون من جهة النبي عليه السلام كما قال تعالى قُلْ هَاذِهِ سَبِيلِى ادْعُواْ إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَة ٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِى ( يوسف ١٠٨ ) وقال عليه الصلاة والسلام ( رحم الله عبداً سمع مقالتي فأداها كما سمعها ) والنبي عليه السلام هو المأذون من الله في الدعاء إليه من غير واسطة
اللطيفة الثانية قال في حق النبي عليه السلام سراجاً ولم يقل إنه شمس مع أنه أشد إضاءة من السراج لفوائد منها أن الشمس نورها لا يؤخذ منه شيء والسراج يؤخذ منه أنوار كثيرة فإذا انطفأ الأول يبقى الذي أخذ منه وكذلك إن غاب والنبي عليه السلام كان كذلك إذ كل صحابي أخذ منه نور الهداية كما قال عليه السلام ( أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم ) وفي الخبر لطيفة وإن كانت ليست من التفسير ولكن الكلام يجر الكلام وهي أن النبي عليه السلام لم يجعل أصحابه كالسرج وجعلهم كالنجوم لأن النجم لا يؤخذ منه نور بل له في نفسه نور إذا غرب هو لا يبقى نور مستفاد منه وكذلك الصحابي إذا مات فالتابعي يستنير بنو النبي


الصفحة التالية
Icon