ثم قال تعالى يأَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُواْ لاَ تَدْخُلُواْ بُيُوتَ النَّبِى ّ إِلاَّ أَن يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَى طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ
لما ذكر الله تعالى في النداء الثالث كَرِيماً ياأَيُّهَا النَّبِى ُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِداً ( الأحزاب ٤٥ ) بياناً لحاله مع أمته العامة قال للمؤمنين في هذا النداء لا تدخلوا إرشاداً لهم وبياناً لحالهم مع النبي عليه السلام من الاحترام ثم إن حال الأمة مع النبي على وجهين أحدهما في حال الخلوة والواجب هناك عدم إزعاجه وبين ذلك بقوله لاَ تَدْخُلُواْ بُيُوتَ النَّبِى ّ وثانيهما في الملأ والواجب هناك إظهار التعظيم كما قال تعالى النَّبِى ّ ياأَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُواْ صَلُّواْ عَلَيْهِ وَسَلّمُواْ تَسْلِيماً ( الأحزاب ٥٦ ) وقوله إِلَى طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ أي لا تدخلوا بيوت النبي إلى طعام إلا أن يؤذن لكم
ثم قال تعالى وَلَكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَادْخُلُواْ فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُواْ وَلاَ مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ يُؤْذِى النَّبِى ّ فَيَسْتَحْيِى مِنكُمْ وَاللَّهُ لاَ
لما بين من حال النبي أنه داع إلى الله بقوله وَدَاعِياً إِلَى اللَّهِ قال ههنا لا تدخلوا إلا إذا دعيتم يعني كما أنكم ما دخلتم الدين إلا بدعائه فكذلك لا تدخلوا عليه إلا بعد دعائه وقوله غَيْرَ نَاظِرِينَ منصوب على الحال والعامل فيه على ما قاله الزمخشري لا تدخلوا قال وتقديره ولا تدخلوا بيوت النبي إلا مأذونين غير ناظرين وفي الآية مسائل
المسألة الأولى قوله إِلاَّ أَن يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَى طَعَامٍ إما أن يكون فيه تقديم وتأخير تقديره ولا تدخلوا إلى طعام إلا أن يؤذن لكم فلا يكون منعاً من الدخول في غير وقت الطعام بغير الإذن وإما أن لا يكون فيه تقديم وتأخير فيكون معناه ولا تدخلوا إلا أن يؤذن لكم إلى طعام فيكون الإذن مشروطاً بكونه إلى الطعام فإن لم يؤذن لكم إلى طعام فلا يجوز الدخول فلو أذن لواحد في الدخول لاستماع كلام لا لأكل طعام لا يجوز نقول المراد هو الثاني ليعم النهي عن الدخول وأما قوله فلا يجوز إلا بالإذن الذي إلى طعام نقول قال الزمخشري الخطاب مع قوم كانوا يجيئون حين الطعام ويدخلون من غير إذن فمنعوا من الدخول في وقته بغير إذن والأولى أن يقال المراد هو الثاني لأن التقديم والتأخير خلاف الأصل وقوله إِلَى طَعَامٍ من باب التخصيص بالذكر فلا يدل على نفي ما عداه لا سيما إذا علم أن غيره مثله فإن من جاز دخول بيته بإذنه إلى طعامه جاز دخوله إلى غير طعامه بإذنه فإن غير الطعام ممكن وجوده مع الطعام فإن من الجائز أن يتكلم معه وقتما يدعوه إلى طعام ويستقضيه في حوائجه ويعلمه مما عنده من العلوم مع زيادة الإطعام فإذا رضي بالكل فرضاه بالبعض أقرب إلى الفعل فيصير من باب وَلاَ تَقُل لَّهُمَا أُفّ ( الإسراء ٢٣ ) وقوله غَيْرَ نَاظِرِينَ يعني أنتم لا تنتظروا وقت الطعام فإنه ربما لا يتهيأ


الصفحة التالية
Icon