النعمة العاجلة وقوله مَالِكِ يَوْمِ الدّينِ إشارة إلى النعمة الآجلة قرئت في الافتتاح وفي الاختتام ثم في مسائل
المسألة الأولى الحمد شكر والشكر على النعمة والله تعالى جعل ما في السموات وما في الأرض لنفسه بقوله لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الاْرْضِ ولم يبين أنه لنا حتى يجب الشكر نقول جواباً عنه الحمد يفارق الشكر في معنى وهو أن الحمد أعم فيحمد من فيه صفات حميدة وإن لم ينعم على الحامد أصلاً فإن الإنسان يحسن منه أن يقول في حق عالم لم يجتمع به أصلاً أنه عالم عامل بارع كامل فيقال له إنه يحمد فلاناً ولا يقال إنه يشكره إلا إذا ذكر نعمه أو ذكره على نعمه فالله تعالى محمود في الأزل لاتصافه بأوصاف الكمال ونعوت الجلال ومشكور ولا يزال على ما أبدى من الكرم وأسدى من النعم فلا يلزم ذكر النعمة للحمد بل يكفي ذكر العظمة وفي كونه مالك ما في السموات وما في الأرض عظمة كاملة فله الحمد على أنا نقول قوله لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الاْرْضِ يوجب شكراً أتم مما يوجبه قوله تعالى خَلَقَ لَكُم مَّا فِى الاْرْضِ وذلك لأن ما في السموات والأرض إذا كان لله ونحن المنتفعون به لا هو يوجب ذلك شكراً لا يوجبه كون ذلك لنا
المسألة الثانية قد ذكرتم أن الحمد ههنا إشارة إلى النعمة التي في الآخرة فلم ذكر الله السموات والأرض فنقول نعم الآخرة غير مرئية فذكر الله النعم المرئية وهي ما في السموات وما في الأرض ثم قال وَلَهُ الْحَمْدُ فِى الاْخِرَة ِ ليقاس نعم الآخرة بنعم الدنيا ويعلم فضلها بدوامها وفناء العاجلة ولهذا قال وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ إشارة إلى أن خلق هذه الأشياء بالحكمة والخير والحكمة صفة ثابتة لله لا يمكن زوالها فيمكن منه إيجاد أمثال هذه مرة أخرى في الآخرة
المسألة الثالثة الحكمة هي العلم الذي يتصل به الفعل فإن من يعلم أمراً ولم يأت بما يناسب علمه لا يقال له حكيم فالفاعل الذي فعله على وفق العلم هو الحكيم والخبير هو الذي يعلم عواقب الأمور وبواطنها فقوله حَكِيمٌ أي في الابتداء يخلق كما ينبغي وخبير أي بالانتهاء يعلم ماذا يصدر من المخلوق وما لا يصدر إلى ماذا يكون مصير كل أحد فهو حكيم في الابتداء خبير في الانتهاء
يَعْلَمُ مَا يَلْجُ فِى الأرض وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنزِلُ مِنَ السَّمَآءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ الرَّحِيمُ الْغَفُورُ وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُواْ لاَ تَأْتِينَا السَّاعَة ُ قُلْ بَلَى وَرَبِّى لَتَأْتِيَنَّكُمْ عَالِمِ الْغَيْبِ لاَ يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّة ٍ فِى السَّمَاوَاتِ وَلاَ فِى الأرض وَلاَ أَصْغَرُ مِن ذَلِكَ وَلاَ أَكْبَرُ إِلاَّ فِى كِتَابٍ مُّبِينٍ لِّيَجْزِى َ الَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ أُوْلَائِكَ لَهُمْ مَّغْفِرَة ٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ
ثم بين الله تعالى كما أخبره بقوله يَعْلَمُ مَا يَلْجُ فِى الاْرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنزِلُ مِنَ السَّمَاء وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ الرَّحِيمُ الْغَفُورُ
ما يلج في الأرض من الحبة والأموات ويخرج منها من السنابل والأحياء وما ينزل من السماء من أنواع رحمته منها المطر ومنها الملائكة ومنها القرآن وما يعرج فيها منها الكلم الطيب لقوله تعالى إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيّبُ ومنها الأرواح ومنها الأعمال الصالحة لقوله وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ ( فاطر ١٠ ) وفيه مسائل


الصفحة التالية
Icon