التصديق ليحصل القرب من العزيز
وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُواْ هَلْ نَدُلُّكُمْ عَلَى رَجُلٍ يُنَبِّئُكُمْ إِذَا مُزِّقْتُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّكُمْ لَفِى خَلْقٍ جَدِيدٍ
وجه الترتيب هو أن الله تعالى لما بين أنهم أنكروا الساعة ورد عليهم بقوله قُلْ بَلَى وَرَبّى لَتَأْتِيَنَّكُمْ ( سبأ ٣ ) وبين ما يكون بعد إتيانها من جزاء المؤمن على عمله الصالح وجزاء الساعي في تكذيب الآيات بالتعذيب على السيئات بين حال المؤمن والكافر بعد قوله قُلْ بَلَى وَرَبّى لَتَأْتِيَنَّكُمْ فقال المؤمن هو الذي يقول الذي أنزل إليك الحق وهو يهدي وقال الكافر هو الذي يقول هو باطل ومن غاية اعتقادهم وعنادهم في إبطال ذلك قالوا على سبيل التعجب هَلْ نَدُلُّكُمْ عَلَى رَجُلٍ يُنَبّئُكُمْ إِذَا مُزّقْتُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّكُمْ لَفِى خَلْقٍ جَدِيدٍ ( سبأ ٧ ) وهذا كقول القائل في الاستبعاد جاء رجل يقول إن الشمس تطلع من المغرب إلى غير ذلك من المحالات
أَفْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أَم بِهِ جِنَّة ٌ بَلِ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالاٌّ خِرَة ِ فِى الْعَذَابِ وَالضَّلَالِ الْبَعِيدِ
ثم قال تعالى أَفْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أَم بِهِ جِنَّة ٌ بَلِ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالاْخِرَة ِ فِى الْعَذَابِ وَالضَّلَالِ الْبَعِيدِ هذا يحتمل وجهين أحدهما أن يكون تمام قول الذين كفروا أولاً أعني هو من كلام من قال هَلْ نَدُلُّكُمْ ويحتمل أن يكون من كلام السامع المجيب لمن قال هَلْ نَدُلُّكُمْ كأن السامع لما سمع قول القائل هَلْ نَدُلُّكُمْ عَلَى رَجُلٍ قال له أهو يفتري على الله كذباً إن كان يعتقد خلافه أم به جنة ( أي ) جنون إن كان لا يعتقد خلافه وفي هذا لطيفة وهي أن الكافر لا يرضى بأن يظهر كذبه ولهذا قسم ولم يجزم بأنه مفتر بل قال مفتر أو مجنون احترازاً من أن يقول قائل كيف يقول بأنه مفتر مع أنه جائز أن يظن أن الحق ذلك فظن الصدق يمنع تسمية القائل مفترياً وكاذباً في بعض المواضع ألا ترى أن من يقول جاء زيد فإذا تبين أنه لم يجىء وقيل له كذبت يقول ما كذبت وإنما سمعت من فلان أنه جاء فظننت أنه صادق فيدفع الكذب عن نفسه بالظن فهم احترزوا عن تبين كذبهم فكل عاقل ينبغي أن يحترز عن ظهور كذبه عند الناس ولا يكون العاقل أدنى درجة من الكافر ثم إنه تعالى أجابهم مرة أخرى وقال بَلِ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالاْخِرَة ِ فِى الْعَذَابِ في مقابلة قولهم افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا وقوله وَالضَّلَالِ الْبَعِيدِ في مقابلة قولهم بِهِ جِنَّة ٌ وكلاهما مناسب أما العذاب فلأن نسبة الكذب إلى الصادق مؤذية لأنه شهادة عليه بأنه يستحق العذاب فجعل العذاب عليهم حيث نسبوه إلى الكذب وأما الجنون فلأن نسبة الجنون إلى العاقل دونه في الإيذاء لأنه لا يشهد عليه بأنه يعذب ولكن ينسبه إلى عدم الهداية فبين أنهم هم الضالون ثم وصف ضلالهم بالبعد لأن من يسمي المهتدي ضالاً يكون هو الضال فمن يسمي الهادي ضالاً يكون أضل


الصفحة التالية
Icon