مأخذ الإشارة والمشار إليه أكثر من هذا البعد لكان هذا المشار إليه أعلى فيصير عليه بالإضافة لا مطلقاً وهو على مطلقاً ولو كان جسماً لكان له مقدار وكل مقدار يمكن أن يفرض أكبر منه فيكون كبيراً بالنسبة إلى غيره لا مطلقاً وهو كبير مطلقاً
قُلْ مَن يَرْزُقُكُمْ مِّنَ السَّمَاوَاتِ والأرض قُلِ اللَّهُ وَإِنَّآ أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِى ضَلَالٍ مُّبِينٍ
ثم قال تعالى قُلْ مَن يَرْزُقُكُم مّنَ السَّمَاوَاتِ وَالاْرْضَ قد ذكرنا مراراً أن العامة يعبدون الله لا لكونه إلهاً وإنما يطلبون به شيئاً وذلك إما دفع ضرر أو جر نفع فنبه الله تعالى العامة بقوله قُلِ ادْعُواْ الَّذِينَ زَعَمْتُم ( سبأ ٢٢ ) على أنه لا يدفع الضر أحد إلا هو كما قال تعالى وَإِن يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرّ فَلاَ كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ ( الأنعام ١٧ يونس ١٠٧ ) وقال بعد إتمام بيان ذلك قُلْ مَن يَرْزُقُكُم مّنَ السَّمَاوَاتِ وَالاْرْضَ إشارة إلى أن جر النفع ليس إلا به ومنه فإذاً إن كنتم من الخواص فاعبدوه لعلوه وكبريائه سواء دفع عنكم ضراً أو لم يدفع وسواء نفعكم بخير أو لم ينفع فإن لم تكونوا كذلك فاعبدوه لدفع الضر وجر النفع
ثم قال تعالى قُلِ اللَّهُ يعني إن لم يقولوا هم فقل أنت الله يرزق وههنا لطيفة وهي أن الله تعالى عند الضر ذكر أنهم يقولون الله ويعترفون بالحق حيث قال قَالُواْ الْحَقَّ وعند النفع لم يقل إنهم يقولون ذلك وذلك لأن لهم حالة يعترفون بأن كاشف الضر هو الله حيث يقعون في الضر كما قال تعالى وَإِذَا مَسَّ النَّاسَ ضُرٌّ دَعَوْاْ رَبَّهُمْ مُّنِيبِينَ إِلَيْهِ ( الروم ٣٣ ) وأما عند الراحة فلا تنبه لهم لذلك فلذلك قال قُلِ اللَّهُ أي هم في حالة الراحة غافلون عن الله
ثم قال تعالى وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِى ضَلَالٍ مُّبِينٍ وفيه مسائل
المسألة الأولى هذا إرشاد من الله لرسوله إلى المناظرات الجارية في العلوم وغيرها وذلك لأن أحد المتناظرين إذا قال للآخر هذا الذي تقوله خطأ وأنت فيه مخطىء يغضبه وعند الغضب لا يبقى سداد الفكر وعند اختلاله لا مطمع في الفهم فيفوت الغرض وأما إذا قال له بأن أحدنا لا يشك في أنه مخطىء والتمادي في الباطل قبيح والرجوع إلى الحق أحسن الأخلاق فنجتهد ونبصر أينا على الخطأ ليحترز فإنه يجتهد ذلك الخصم في النظر ويترك التعصب وذلك لا يوجب نقصاً في المنزلة لأنه أوهم بأنه في قوله شاك ويدل عليه قول الله تعالى لنبيه وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ مع أنه لا يشك في أنه هو الهادي وهو المهتدي وهم الضالون والمضلون
المسألة الثانية في قوله لَعَلَى هُدًى أَوْ فِى ضَلَالٍ مُّبِينٍ ذكر في الهدى كلمة على وفي الضلال كلمة في لأن المهتدي كأنه مرتفع متطلع فذكره بكلمة التعلي والضال منغمس في الظلمة غريق فيها فذكره بكلمة في
المسألة الثالثة وصف الضلال بالمبين ولم يصف الهدى لأن الهدي هو الصراط المستقيم الموصل


الصفحة التالية
Icon