يقول الذين استضعفوا بلفظ المستقبل وقوله في الآيتين المتأخرتين وَقَالَ الَّذِى اسْتَكْبَرُواْ وَقَالَ الَّذِى اسْتُضْعِفُواْ بصيغة الماضي مع أن السؤال والتراجع في القول لم يقع إشارة إلى أن ذلك لا بد وأن يقع فإن الأمر الواجب الوقوع يوجد كأنه وقع ألا ترى إلى قوله تعالى إِنَّكَ مَيّتٌ وَإِنَّهُمْ مَّيّتُونَ ( الزمر ٣٠ )
ثم قال تعالى وَأَسَرُّواْ النَّدَامَة َ لَمَّا رَأَوُاْ اْلَعَذَابَ وَجَعَلْنَا الاْغْلَالَ فِى أَعْنَاقِ الَّذِينَ كَفَرُواْ هَلْ يُجْزَوْنَ إِلاَّ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ
معناه أنهم يتراجعون القول في الأول ثم إذا جاءهم العذاب الشاغل يسرون ذلك التراجع الدال على الندامة وقيل معنى الإسرار الإظهار أي أظهروا الندامة ويحتمل أن يقال بأنهم لما تراجعوا في القول رجعوا إلى الله بقولهم رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فَارْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحاً ( السجدة ١٢ ) ثم أجيبوا وأخبروا بأن لا مرد لكم فأسروا ذلك القول وقوله وَجَعَلْنَا الاْغْلَالَ فِى أَعْنَاقِ الَّذِينَ كَفَرُواْ ( سبأ ٣٣ ) إشارة إلى كيفية العذاب وإلى أن مجرد الرؤية ليس كافياً بل لما رأوا العذاب قطعوا بأنهم واقعون فيه فتركوا الندم ووقعوا فيه فجعل الأغلال في أعناقهم وقوله يُجْزَوْنَ إِلاَّ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ إشارة إلى أن ذلك حقهم عدلاً
وَمَآ أَرْسَلْنَا فِى قَرْيَة ٍ مِّن نَّذِيرٍ إِلاَّ قَالَ مُتْرَفُوهَآ إِنَّا بِمَآ أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ وَقَالُواْ نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوَالاً وَأَوْلَاداً وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ
تسلية لقلب النبي ( ﷺ ) وبياناً لأن إيذاء الكفار الأنبياء الأخيار ليس بدعاً بل ذلك عادة جرت من قبل وإنما نسب القول إلى المترفين مع أن غيرهم أيضاً قالوا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ لأن الأغنياء المترفين هم الأصل في ذلك القول ألا ترى أن الله قال عن الذين استضعفوا إنهم قالوا للمستكبرين لولا أنتم لكانوا مؤمنين ثم استدلوا على كونهم مصيبين في ذلك بكثرة الأموال والأولاد فقالوا نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوالاً وَأَوْلَاداً أي بسبب لزومنا لديننا وقوله وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ أي في الآخرة كأنهم قالوا حالنا عاجلاً خير من حالكم وأما آجلاً فلا نعذب إما إنكاراً منهم للعذاب رأساً أو اعتقاداً لحسن حالهم في الآخرة أيضاً قياساً ( على حسن حالهم في الدنيا )
قُلْ إِنَّ رَبِّى يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَآءُ وَيَقْدِرُ وَلَاكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ
ثم إن الله تعالى بين خطأهم بقوله قُلْ إِنَّ رَبّى يَبْسُطُ الرّزْقَ لِمَن يَشَاء وَيَقْدِرُ وَلَاكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ


الصفحة التالية
Icon