( الأنبياء ١٨ ) وعلى هذا تعلق الآية بما قبلها أيضاً ظاهر وذلك من حيث إن براهين التوحيد لما ظهرت ودحضت شبههم قال قُلْ إِنَّ رَبّى يَقْذِفُ بِالْحَقّ أي على باطلكم وقوله عَلَّامُ الْغُيُوبِ على هذا الوجه له معنى لطيف وهو أن البرهان الباهر المعقول الظاهر لم يقم إلا على التوحيد والرسالة وأما الحشر فعلى وقوعه لا برهان غير إخبار الله تعالى عنه وعن أحواله وأهواله ولولا بيان الله بالقول لما بان لأحد بخلاف التوحيد والرسالة فلما قال يَقْذِفُ بِالْحَقّ أي على الباطل إشارة إلى ظهور البراهين على التوحيد والنبوة قال عَلَّامُ الْغُيُوبِ أي ما يخبره عن الغيب وهو قيام الساعة وأحوالها فهو لا خلف فيه فإن الله علام الغيوب والآية تحتمل تفسيراً آخر وهو أن يقال رَبّى يَقْذِفُ بِالْحَقّ أي ما يقذفه يقذفه بالحق لا بالباطل والباء على الوجهين الأولين متعلق بالمفعول به أي الحق مقذوف وعلى هذا الباء فيه كالباء في قوله وَقُضِى َ بَيْنَهُمْ بِالْحَقّ ( الزمر ٦٩ ) وفي قوله فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقّ ( ص ٢٦ ) والمعنى على هذا الوجه هو أن الله تعالى قذف ما قذف في قلب الرسل وهو علام الغيوب يعلم ما في قلوبهم وما في قلوبكم
قُلْ جَآءَ الْحَقُّ وَمَا يُبْدِى ءُ الْبَاطِلُ وَمَا يُعِيدُ
لما ذكر الله أنه يقذف بالحق وكان ذلك بصيغة الاستقبال ذكر أن ذلك الحق قد جاء وفيه وجوه أحدها أنه القرآن الثاني أنه بيان التوحيد والحشر وكل ما ظهر على لسان النبي ( ﷺ ) الثالث المعجزات الدالة على نبوة محمد عليه السلام ويحتمل أن يكون المراد من جَاء الْحَقُّ ظهر الحق لأن كل ما جاء فقد ظهر والباطل خلاف الحق وقد بينا أن الحق هو الموجود ولما كان ما جاء به النبي ( ﷺ ) لم يمكن انتفاؤه كالتوحيد والرسالة والحشر كان حقاً لا ينتفي ولما كان ما يأتون به من الإشراك والتكذيب لا يمكن وجوده كان باطلاً لا يثبت وهذا المعنى يفهم من قوله وَمَا يُبْدِىء الْبَاطِلُ أي الباطل لا يفيد شيئاً في الأولى ولا في الآخرة فلا إمكان لوجوده أصلاً والحق المأتي به لا عدم له أصلاً وقيل المراد لا يبدىء الشيطان ولا يعيد وفيه معنى لطيف وهو أن قوله تعالى قُلْ إِنَّ رَبّى يَقْذِفُ بِالْحَقّ لما كان فيه معنى قوله تعالى بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ كان يقع لمتوهم أن الباطل كان فورد عليه الحق فأبطله ودمغه فقال ههنا ليس للباطل تحقق أولاً وآخراً وإنما المراد من قوله فَيَدْمَغُهُ أي فيظهر بطلانه الذي لم يزل كذلك وإليه الإشارة بقوله تعالى في موضع آخر وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا ( الإسراء ٨١ ) يعني ليس أمراً متجدداً زهوق الباطل فقوله وَمَا يُبْدِىء الْبَاطِلُ أي لا يثبت في الأول شيئاً خلاف الحق وَلاَ يُعِيدُ أي لا يعيد في الآخرة شيئاً خلاف الحق
قُلْ إِن ضَلَلْتُ فَإِنَّمَآ أَضِلُّ عَلَى نَفْسِى وَإِنِ اهْتَدَيْتُ فَبِمَا يُوحِى إِلَى َّ رَبِّى إِنَّهُ سَمِيعٌ قَرِيبٌ


الصفحة التالية
Icon