فيقول الحمد لله فإذا رأى الشمس فيها بازغة فيعلم أنها نعمة وكرامة فيقول الحمد لله وكذلك القمر وكل كوكب والأرض وكل نبات وكل حيوان يقول الحمد لله لكن الإنسان لو حمد الله على كل شيء على حدة لا يفي عمره به فإذا استحضر في ذهنه النعم التي لا تعد كما قال تعالى وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَة َ اللَّهِ لاَ تُحْصُوهَا ( إبراهيم ٣٤ ) ويقول الحمد لله على ذلك فهذا الحمد على وجه الإجمال يقوم منه مقام الحمد على سبيل التفصيل ويقول عبدي استغرق عمره في حمدي وأنا وعدت الشاكر بالزيادة فله علي حسنة التسبيح الحسنى وله على حمده الزيادة ثم إن الإنسان إذا استغرق في صفات الله قد يدعوه عقله إلى التفكر في الله تعالى بعد التفكر في آلاء الله فكل ما يقع في عقله من حقيقته فينبغي أن يقول الله أكبر مما أدركه لأن المدركات وجهات الإدراكات لا نهاية لها فإن أراد أن يقول على سبيل التفصيل الله أكبر من هذا الذي أدركته من هذا الوجه وأكبر مما أدركته من ذلك الوجه وأكبر مما أدركته من وجه آخر يفني عمره ولا يفي بإدراك جميع الوجوه التي يظن الظان أنه مدرك لله بذلك الوجه فإذا قال مع نفسه الله أكبر أي من كل ما أتصوره بقوة عقلي وطاقة إدراكي يكون متوغلاً في العرفان وإليه الإشارة بقوله
العجز عن درك الإدراك إدراك
فقول القائل المستيقظ ( سبحان الله والحمد لله والله أكبر ) مفيد لهذه الفوائد لكن شرطه أن يكون كلاماً معتبراً وهو الذي يكون من صميم القلب لا الذي يكون من طرف اللسان
المسألة الرابعة قوله وَعَشِيّاً عطف على حِينٍ أي سبحوه حين تمسون وحين تصبحون وعشياً وقوله وَلَهُ الْحَمْدُ فِى السَّمَاوَاتِ وَالاْرْضَ كلام معترض بين المعطوف والمعطوف عليه وفيه لطيفة وهو أن الله تعالى لما أمر العباد بالتسبيح كأنه بين لهم أن تسبيحهم الله لنفعهم لا لنفع يعود على الله فعليهم أن يحمدوا الله إذا سبحوه وهذا كما في قوله تعالى يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُواْ قُل لاَّ تَمُنُّواْ عَلَى َّ إِسْلَامَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَداكُمْ لِلاْيمَانِ ( الحجرات ١٧ )
المسألة الخامسة قدم الإمساء على الإصباح ههنا وأخره في قوله وَسَبّحُوهُ بُكْرَة ً وَأَصِيلاً ( الأحزاب ٤٢ ) وذلك لأن ههنا أول الكلام ذكر الحشر والإعادة من قوله اللَّهُ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ ( الروم ١١ ) إلى قوله فَأُوْلَئِكَ فِى الْعَذَابِ مُحْضَرُونَ ( الروم ١٦ ) وآخر هذه الآية أيضاً ذكر الحشر والإعادة بقوله وَكَذَلِكَ تُخْرَجُونَ والإمساء آخر فذكر الآخر ليذكر الآخرة
المسألة السادسة في تعلق إخراج الحي من الميت والميت من الحي بما تقدم عليه هو أن عند الإصباح يخرج الإنسان من شبه الموت وهو النوم إلى شبه الوجود وهو اليقظة وعند العشاء يخرج الإنسان من اليقظة إلى النوم واختلف المفسرون في قوله يُخْرِجُ الْحَى َّ مِنَ الْمَيّتِ فقال أكثرهم يخرج الدجاجة من البيضة والبيضة من الدجاجة وكذلك الحيوان من النطفة والنطفة من الحيوان وقال بعضهم المؤمن من الكافر والكافر من المؤمن ويمكن أن يقال المراد يُخْرِجُ الْحَى َّ مِنَ الْمَيّتِ أي اليقظان من النائم والنائم من اليقظان وهذا يكون قد ذكره للتمثيل أي إحياء الميت عنده وإماتة الحي كتنبيه النائم وتنويم المنتبه
ثم قال تعالى يُخْرِجُ الْحَى َّ مِنَ الْمَيّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيّتَ وفي هذا معنى لطيف وهو أن الإنسان بالموت تبطل حيوانيته وأما نفسه الناطقة فتفارقه وتبقى بعده كما قال تعالى وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِى سَبِيلِ اللَّهِ أَمْواتاً


الصفحة التالية
Icon