الكلام الرد على عبدة الأصنام في قولهم بأنها آلهة فكأنه قيل هذا المذهب قد بلغ في السقوط والركاكة إلى حيث يكفي في إبطاله مثل هذه الحجة والله أعلم
المسألة الرابعة أما دلالة أحوال السموات والأرض على وجود الإله القادر العالم الحكيم وعلى كونه واحداً منزهاً عن الشريك فقد سبق تقريرها في هذا الكتاب مراراً وأطواراً وأما قوله تعالى وَرَبُّ الْمَشَارِقِ فيحتمل أن يكون المراد مشارق الشمس قال السدي المشارق ثلاثمائة وستون مشرقاً وكذلك المغارب فإنه تطلع الشمس كل يوم من مشرق وتغرب كل يوم في مغرب ويحتمل أن يكون المراد مشارق الكواكب لأن لكل كوكب مشرقاً ومغرباً فإن فيل لم أكتفي بذكر المشارق قلنا لوجهين الأول نه اكتفى بذكر المشارق كقوله تَقِيكُمُ الْحَرَّ ( النحل ٨١ ) والثاني أن الشرق أوقى حالاً من الغروب وأكثر نفعاً من الغروب فذكر الشرق تنبيهاً على كثرة إحسان الله تعالى على عباده ولهذه الدقيقة استدل إبراهيم عليه السلام بالمشرق فقال فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِى بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ ( لبقرة ٢٥٨ )
المسألة الخامسة احتج الأصحاب بقوله تعالى رَبّ السَّمَاوَاتِ وَالاْرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا على كونه تعالى خالقاً لأعمال العباد قالوا لأن أعمال العباد موجود فيما بين السموات والأرض وهذه الآية دالة على أن كل ما حصل بين السموات والأرض فالله ربه ومالكه فهذا يدل على أن فعل العبد حصل بخلق الله وإن قالوا الأعراض لا يصح وصفها بأنها حصلت بين السموات والأرض لأن هذا الوصف إنما يليق بما يكون حاصلاً في حيز وجهة والأعراض ليست كذلك قلنا إنها لما كانت حاصلة في الأجسام الحاصلة بين السموات والأرض فهي أيضاً حاصلة بين السماء والأرض ثم قال تعالى
إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَآءَ الدُّنْيَا بِزِينَة ٍ الْكَوَاكِبِ وَحِفْظاً مِّن كُلِّ شَيْطَانٍ مَّارِدٍ لاَّ يَسَّمَّعُونَ إِلَى الْمَلإِ الاٌّ عْلَى وَيُقْذَفُونَ مِن كُلِّ جَانِبٍ دُحُوراً وَلَهُمْ عَذابٌ وَاصِبٌ إِلاَّ مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَة َ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ ثَاقِبٌ
في الآية مسائل
المسألة الأولى قرأ حمزة وحفص عن عاصم زينة منونة الكواكب بالجر وهو قراءة مسروق بن الأجدع قال الفراء وهو رد معرفة على نكرة كما قال بِالنَّاصِيَة ِ نَاصِيَة ٍ ( العلق ١٥ ١٦ ) فرد نكرة على معرفة وقال الزجاج الكواكب بدل من الزينة لأنها هي كما تقول مررت بأبي عبد الله زيد وقرأ عاصم بالتنوين في الزين ونصب الكواكب قال الفراء يريد زينا الكواكب وقال الزجاج يجوز أن تكون الكواكب في النصف بدلاً من قوله بزينة لأن بزينة في موضع نصب وقرأ الباقون ( بزينة الكواكب ) بالجر على الإضافة
المسألة الثانية بين تعالى أنه زين السماء الدنيا وبين أنه إنما زينها لمنفعتين إحداهما تحصيل الزينة والثانية الحفظ من الشيطان المارد فوجب أن نحقق الكلام في هذه المطالب الثالاثة أما الأول


الصفحة التالية
Icon