اختاره صاحب ( الكشاف ) أنه كلام مبتدأ منقطع عما قبله وهو حكاية حال المسترقة للسمع وأنهم لا يقدرون أن يسمعوا إلى كلام الملائكة ويتسمعوا وهم مقذوفون بالشهب مدحورون عن ذلك المقصود
المسألة الرابعة الملأ الأعلى لملائكة لأنهم يسكنون السموات وأما الإنس والجن فهم الملأ الأسفل لأنهم سكان الأرض
واعلم أنه تعالى وصف أولئك الشياطين بصفات ثلاثة الأولى أنهم لا يسمعون الثانية أنهم يقذفون من كل جانب دحوراً وفيه أبحاث
الأول قد ذكرنا معنى الدحور في سورة الأعراف عند قوله اخْرُجْ مِنْهَا مَذْءومًا مَّدْحُورًا ( الأعراف ١٨ ) قال المبرد الدحور أشد الصغار والذل وقال ابن قتيبة دحرته دحراً ودحوراً أي دفعته وطردته
البحث الثاني في انتصاب قوله دُحُوراً وجوه الأول أنه انتصب بالمصدر على معنى يدحرون دحوراً ودل على الفعل قوله تعالى وَيَقْذِفُونَ الثاني التقدير ويقذفون للدحول ثم حذف اللام الثالث قال مجاهد دحوراً مطرودين فعلى هذا هو حال سميت بالمصدر كالركوع والسجود والحضور
البحث الثالث قرأ أبو عبد الرحمن السملي دحوراً بفتح الدال قال الفراء كأنه قال يقذفون يدحرون بما يدحر ثم قال ولست أشتهي الفتح لأنه لو وجد ذلك على صحة لكان فيها الباء كما تقول يقذفون بالحجارة ولا تقول يقذفون الحجارة إلا أنه جائز في الجملة كما قال الشاعر تعال اللحم للأضياف نيئاً
أي تعالى باللحم الصفة الثالثة قوله تعالى وَلَهُمْ عَذابٌ وَاصِبٌ والمعنى أنهم مرجومون بالشهب وهذا العذاب مسلط عليهم على سبيل الدوام وذكرنا تفسير الواصب في سورة النحل عند قوله تعالى دوله الدين واصباً ( النحل ٥٢ ) قالوا كلهم إنه الدائم قال الواحدي ومن فسر الواصب بالشديد والموجع فهو معنى وليس بتفسير
ثم قال تعالى ( النحل ٥٢ ) قالوا كلهم إنه الدائم قال الواحدي ومن فسر الواصب بالشديد والموجع فهو معنى وليس بتفسير
ثم قال تعالى إِلاَّ مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَة َ ذكرنا معنى الخطف في سورة الحج قال الزجاج وهو أخذ الشيء بسرعة وأصل خطف اختطف قال صاحب ( الكشاف ) مِنْ في محل الرفع بدل من الواو في لا يسمعون أي لا يسمع الشياطين إلا الشيطان الذي خطف الخطبة أي اختلس الكلمة على وجه المسارقة فَأَتْبَعَهُ يعني لحقه وأصابه يقال تبعه وأتبعه إذا مضى في أثره وأتبعه إذا لحقه وأصله من قوله تعالى فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ ( الأعراف ١٧٥ ) وقد مر تفسيره وقوله تعالى شِهَابٌ ثَاقِبٌ قال الحسن ثاقب أي مضيء وأقول سمي ثاقباً لأنه يثقب بنوره الهواء قال ابن عباس في تفسير قوله وَالنَّجْمِ الثَّاقِبُ ( الطارق ٣ ) قال إنه رجل سمي بذلك لأنه يثقب بنوره سمك سبع سموات والله أعلم
فَاسْتَفْتِهِمْ أَهُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَم مَّنْ خَلَقْنَآ إِنَّا خَلَقْنَاهُم مِّن طِينٍ لاَّزِبٍ


الصفحة التالية
Icon