بمعنى المصدر فقد تجيء أيضاً بمعنى المفعول فكان حمله ههنا على المفعول أولى لأن المقصود في هذه الآية تزييف مذهبهم في عبادة الأصنام لا بيان أنهم لا يوجدون إفعال أنفسهم لأن الذي جرى ذكره في أول الآية إلى هذا الموضع هو مسألة عبادة الأصنام لا خلق الأعمال واعلم أن هذه السؤالات قوية وفي دلائلنا كثيرة فالأولى ترك الاستدلال بهذه الآية والله أعلم
واعلم أن إبراهيم عليه السلام لما أورد عليهم هذه الحجة القوية ولم يقدروا على الجواب عدلوا إلى طريق الإيذاء فقالوا ابنوا له بنياناً واعلم أن كيفية ذلك البناء لا يدل عليها لفظ القرآن قال ابن عباس بنو حائطاً من حجر طوله في السماء ثلاثون ذراعاً وعرضه عشرون ذراعاً وملأه ناراً فطرحوه فيها وذلك هو قولهتعالى فَأَلْقُوهُ فِى الْجَحِيمِ وهي النار العظيمة قال الزجاج كل نار بعضها فوق بعض فهي جحيم والألف واللام في الجحيم يدل على النهاية والمعنى في جحيمه أي في جحيم ذلك البنيان ثم قال تعالى فَأَرَادُواْ بِهِ كَيْداً فَجَعَلْنَاهُمُ الاْسْفَلِينَ والمعنى أن في وقت المحاجة حصلت الغلبة له وعندما ألقوه في النار صرف الله عنه ضرر النار فصار هو الغالب عليهم واعلم أنه لما انقضت هذه الواقعة قال إبراهيم إِنّى ذَاهِبٌ إِلَى رَبّى ونظير هذه الآية قوله تعالى دوقال إني مهاجر إلى ربي ( العنكبوت ٢٦ ) وفيه مسائل
المسألة الأولى دلت هذه الآية على أن الموضع الذي تكثر فيه الأعداء تجب مهاجرته وذلك لأن إبراهيم صلوات الله عليه وسلامه مع أن الله سبحانه خصه بأعظم أنواع النصرة لما أحس منهم بالعداوة الشديدة هاجر من تلك الديار فلأن يجب ذلك على الغير كان أولى
المسألة الثانية في قوله ( العنكبوت ٢٦ ) وفيه مسائل
المسألة الأولى دلت هذه الآية على أن الموضع الذي تكثر فيه الأعداء تجب مهاجرته وذلك لأن إبراهيم صلوات الله عليه وسلامه مع أن الله سبحانه خصه بأعظم أنواع النصرة لما أحس منهم بالعداوة الشديدة هاجر من تلك الديار فلأن يجب ذلك على الغير كان أولى
المسألة الثانية في قوله وَقَالَ إِنّى ذَاهِبٌ إِلَى رَبّى قولان الأول المراد منه مفارقة تلك الديار والمعنى إني ذاهب إلى مواضع دين ربي والثول الثاني قال الكلبي ذاهب بعبادتي إلى ربي فعلى القول الأول المراد بالذهاب إلى الرب هو الهجرة من الديار وبه اقتدى موسى حيث قال كَلاَّ إِنَّ مَعِى َ رَبّى سَيَهْدِينِ ( الشعراء ٦٢ ) وعلى القول الثاني المراد رعاية أحوال القلوب وهو أن لا يأتي بشيء من الأعمال إلا لله تعالى كما قال وَجَّهْتُ وَجْهِى َ لِلَّذِى فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالاْرْضَ ( الأنعام ٧٩ ) قيل إن القول الأول أولى لأن المقصود من هذه الآية بيان مهاجرته إلى أرض الشأم وأيضاً يبعد حمله على الهداية في الدين لأنه كان على الدين في ذلك الوقت إلا أن يحمل ذلك على الثبات عليه أو يحمل ذلك على الاهتداء إلى الدرجات العالية والمراتب الرفيعة في أمر الدين
المسألة الثالثة قوله سَيَهْدِينِ يدل على أن الهداية لا تحصل إلا من الله تعالى كما يقول أصحابنا ولا يمكن حمل هذه الهداية على وضع الأدلة وإزاحة الأعذار لأن كل ذلك قد حصل في الزمان الماضي وقوله سيدهين يدل على اختصاص تلك الهدية بالمستقبل فوجبحمل الهداية في هذه الآية على تحصيل العلم والمعرفة في قلبه فإن قيل إبراهيم عليه السلام جزم في هذه الآية بأنه تعالى سيهديه وأن موسى عليه السلام لم يجزم به بل قال قَالَ عَسَى رَبّى أَن يَهْدِيَنِى سَوَاء السَّبِيلِ ( القصص ٢٢ ) فما الفرق قلنا العبد إذا تجلى له مقامات رحمة الله فقد يجزم بحصول المقصود وإذا تجلى له مقامات كونه غنياً عن العالمين فحينئذٍ يستحقر نفسه فلا يجزم بل لا يظهر إلا الرجاء والطمع


الصفحة التالية
Icon