الدرجة عالي المرتبة في طاعة الله يقتل ويزني ويسرق وقد جعله الله خليفة في أرضه وصوب أحكامه وكما أن هذه الكلام مما لا يليق بالعاقل فكذا ههنا ومن المعلوم أن ذكر العشق والسعي في القتل من أعظم أبواب العيوب والرابع وهو أن القائلين بهذا القول ذكروا في هذه الرواية أن داود عليه السلام تمنى أن يحصل له في الدين كما حصل للأنبياء المتقدمين من المنازل العالية مثل ما حصل للخليل من الإلقاء في النار وحصل للذبيح من الذبح وحصل ليعقوب من الشدائد الموجبة لكثرة الثواب فأوحى الله إليه أنهم إنما وجدوا تلك الدرجات لأنهم لما ابتلوا صبروا فعند ذلك سأل داود عليه السلام الابتلاء فأوحى الله إليه أنك ستبلى في يوم كذا فبالغ في الاحتزاز ثم وقعت الواقعة فنقول أول حكايتهم يدل على أن الله تعالى يبتليه بالبلاء الذي يزيد في منقبته ويكمل مراتب إخلاصه فالسعي في قتل أول حكايتهم يدل على أن الله تعالى بيتليه بالبلاء الذي يزيد في منقبته ويكمل مراتب إخلاصه فالسعي في قتل النفس بغير الحق والإفراط في العشق كيف يليق بهذه الحالة ويثبت أن الحكاية التي ذكروها يناقض أولها أخرها الخامس أن داود عليه السلام قال وَإِنَّ كَثِيراً مّنَ الْخُلَطَاء لَيَبْغِى بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ إِلَى الَّذِينَ ءامَنُواْ استثنى الذين آمنوا عن البغي فلو قلنا إنه كان موصوفاً بالبغي لزم أن يقال إنه حكم بعد الإيمان على نفسه وذلك باطل السادس حضرت في بعض المجالس وحضر فيه بعض أكابر الملوك وكان يريد أن يتعصب لتقرير ذلك القول الفاسد والقصة الخبيئة لسبب اقتضى ذلك فقلت له لا شك أن داود عليه السلام كان من أكابر الأنبياء والرسل ولقد قال الله تعالى اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ ( الأنعام ١٢٤ ) ومن مدحه الله تعالى بمثل هذا المدح العظيم لم يجز لنا أن نبالغ الطعن فيه وأيضاً فبتقدير أنه ما كان نبياً فلا شك أنه كان مسلماً ولقد قال ( ﷺ ) ( لا تذكروا موتاكم إلا بخير ) ثم على تقدير أنا لا نلتفت إلى شيء من هذه الدلائل إلا أنا نقول إن من المعولم بالضرورة أن يتقدير أن تكون القصة التي ذكرتموها حقيقية صحيحة فإن روايتها وذكرها لا يوجب شيئاً من الثواب لأن إشاعة الفاحشة إن لم توجب العقاب فلا أقل من أن لا توجب الثواب وأما بتقدير أن تكون هذه القصة باطلة فاسدة فإن ذاكرها يستحق أعظم العقاب والواقعة التي هذا سؤنها وصفتها فإن صريح العقل يوجب السكوت عنها فثبت أن الحق ما ذهبنا إليه وأن شرح تلك القصة محرم محظور فلما سمع ذلك الملك هذا الكلام سكت ولم يذكر شيئاً السابع أن ذكر هذه القصة وذكر قصة يوسف عليه السلام يقتضي إشاعة فوجب أن يكون محرماً لقوله تعالى إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَة ُ فِى الَّذِينَ ءامَنُواْ ( النور ١٩ ) الثامن لو سعى داود في قتل ذلك الرجل لدخل تحت قوله ( من سعى في دم مسلم ولو بشطر كلمة جاء يوم القيامة مكتوباً بين عينيه آيس من رحمة الله ) وأيضاً لو فعل ذلك لكان ظالماً فكان يدخل تحت قوله أَلاَ لَعْنَة ُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ التاسع عن سعيد بن المسيب أن علي بن أبي طالب عليه السلام قال ( من حدثكم بحديث داود على ما يرويه القصاص جلدته مائة وستين ) وهو حد الفرية على الأنبياء ومما يقوي هذا أنهم لما قالوا إن المغيرة بن شعبة زني وشهد ثلاثة من عدول الصحابة بذلك وأما الرابع فإنه لم يقل بأني رأيت ذلك العمل يعني فإن عمر بن الخطاب كذب أولئك الثلاثة وجلد كل واحد منهم ثمانين جلدة لأجل أنهم قذفوا وإذا كان الحال في واحد من آحاد الصحابة كذلك فكيف الحال مع داود عليه السلام مع أنه من أكابر الأنبياء عليهم السلام العاشر روي أن بعضهم ذكر هذه القصة على ما في كتاب الله تعالى فقال لا ينبغي أن يزاد عليها وإن كانت الواقعة على ما ذكرت ثم إنه تعالى لم يذكرها لأجل أن يستر تلك الواقعة على داود عليه السلام فلا يجوز للعاقل أن يسعى في هتك ذلك الستر بعد ألف سنة أو أقل أو أكثر فقال


الصفحة التالية
Icon